خلفيات وأبعاد الأزمة القطرية غالب قنديل
مقدمة
ما هي مؤشرات الأزمة المتفجرة في الخليج وهل تكفي انطباعات ناتجة عن مهرجان ترامب في الرياض لتكوين الانطباع بنزعة هجومية لدى الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي يحاول اطرافه ترسيخ الإيحاء بذلك ويجتره خلفهم بعض السذج ممن لا يتبصرون قبل افدلاء بآرائهم ويتأثرون بالدعاية الغربية والرجعية في زحف انطباعي مقيت خلف الفرقعات الإعلامية.
إن ما جرى بالفعل يمكن توصيفه استراتيجيا على انه انفجار كبير عصف بالحلف الرجعي العربي والإقليمي الذي يضم الدول التابعة للغرب والهيمنة الأميركية التي شكلت قوة الهجوم والحروب المتقلة التي قادها الحلف الأميركي الصهيوني لتدمير سورية والعراق بواسطة عصابات الإرهاب التكفيرية وزمرة التنظيم العالمي للأخوان المسلمين .
تشظى الحلف الرجعي الذي يضم حكومات السعودية وقطر وتركيا والأردن بانصراف كل من الطاف لحصر أضراره الخاصة وتقليص حصته من الهزيمة الشنيعة وخرج إلى العلن ما كان مكتوما بقوة النظام الميرركي المرصوص لصبط الحلفاء والعملاء .
جاء الانشقاق في توقيت حرج بعد المشاركة الروسية والإيرانية الكبيرة في مقاتلة الإرهاب إلى جانب سورية وحزب الله والحشد الشعبي العراقي وها هو الجيش العربي السوري يدوس بأقدام جنوده الأبطال وحلفائه المقاومين خطوط واشنطن الوهمية مسقطا مشاريع التفتيت والعزل التي ينفذها الأميركيونوعملاؤهم على الأرض.
الحصيلة أن قوى الإرهاب التكفيري تتبدد والجيش العربي السوري يوسع انتشاره الميداني والعصابات العميلة للغرب تتراجع وتنكمش خلافا لجميع القراءات الانهزامية البائسة.
خلفيات الأزمة المتفجرة
في ما يلي بعض الملاحظات حول ما سمي بالأزمة القطرية التي اوردناها في الشرق الجديد :
اولا في مضمون حملات التحريض والتشهير وقطع العلاقات شظايا انفجار حلف شيطاني رجعي تابع للاستعمار وخاضع للهيمنة الأميركية الصهيونية وخططها الإجرامية وفي لغة الهجمات السعودية المنظمة لا يشفع لحكام قطر كل ما بذلوه خلال السنوات الماضية من مال وما أنشأته قطر على أرضها من منصات عدوان وتدخل إعلامية ومن أوكار للتآمر على سورية ومصر وليبيا والعراق واليمن بقيادة أميركية سعودية وبالشراكة مع الكيان الصهيوني ولا تغفر للدوحة مساهمات كثيرة وكبيرة في تطويع الجامعة العربية وتسخيرها لتغطية حروب الربيع القذرة فمن ينسى مآثر الحمدين في تعليق عضوية الجمهورية العربية السورية وغزوها بجحافل المرتزقة ووحوش التكفير وفي تمكين عصابة الأخوان من حكم مصر وفي تدبير احتلال ليبيا واجتياحها بجيوش القاعدة ومن ينسى في كل ذلك مفاعيل الشراكة القطرية التركية الأردنية السعودية ونتائجها المدمرة من خلال عصابات القاعدة وداعش وجيوش المرتزقة الدوليين وكذلك مساهمة قطر في حرب الإبادة التي شنت على اليمن.
ثانيا التناقضات السعودية القطرية كامنة ومكتومة من سنوات وكانت ظاهرة لمن يدقق في خفايا المشهد ومصادرها عديدة اولها تصرف قطر لسنوات ومنذ زوبعة ما سمي بالربيع العربي على انها المؤهلة لقيادة مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وليس المملكة السعودية وقد بنت القيادة القطرية حسابها المنتفخ لمصادر القوة الافتراضية على مجموعة من العوامل المهمة :
1- امتلاك قطر لفوائض مالية ضخمة في دولة صغيرة قليلة الكلفة قياسا للمنافس السعودي.
2- قطر هي الدولة الخليجية التي تتواجد لديها قاعدة عسكرية اميركية تنطلق منها وحدات التدخل العسكري وقوات الكوماندوس الأميركي إلى جميع انحاء المنطقة وساحاتها المشتعلة.
3- قطر هي الدولة الخليجية التي تقيم علاقات قديمة وراسخة مع الكيان الصهيوني وقد كلفتها الولايات المتحدة بملف الترويج للتطبيع منذ مفاوضات مدريد المتعددة في تسعينيات القرن العشرين.
4- قطر تقيم شراكة وثيقة مالية واستخباراتية مع النظام التركي الأخواني التابع للغرب وتشاركه فصول تنفيذ الخطط الاستعمارية في المنطقة.
5- لدى قطر ذراع سياسي هو التنظيم العالمي للأخوان المسلمين وذراع إعلامي هو قناة الجزيرة واسعة الانتشار وهما رافعتان ساهمتا في تحويل العديد من موجات الربيع المشؤوم وسيلة لنشر النفوذ القطري في العديد من الدول العربية المستهدفة.
6- أنشأت قطر منصة رديفة لاصطياد النخب وتجنيدها في خطط الحلف الأميركي الصهيوني من خلال مركز دراسات عزمي بشارة ومنظومته الإعلامية الصحافية والتلفزيونية الرديفة.
7- تقيم حكومة الدوحة بوابات خلفية للتراجع عند اللزوم من خلال شراكة وثيقة مع إيران في حقول الغاز ضمن المياه الإقليمية وعبر علاقة مرنة مع روسيا في إطار حلف الدول المنتجة للغاز الذي يضمها مع موسكو وطهران إضافة لتنسيقها الدائم والمفتوح مع الحلف الأميركي الصهيوني لحماية طموحا القيادي المنتفخ.
ثالثا عندما كان الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي قادرا على تحقيق خطوات هجومية في استهداف الدولة الوطنية السورية وفي اجتياح ليبيا بالناتو وتوليد موجات ما سمي بالربيع وشن الحرب الإجرامية على اليمن كانت التناقضات كامنة وصامتة ومسكوتا عنها وعبرت عن نفسها بتمايزات تكتيكية بين الدوحة والرياض المنصاعتين معا للأوامر الأميركية العليا وعندما طرأت تحولات كبرى على الميادين شرعت التعارضات تنمو وتتوسع .
سر التوقيت
تجمعت عناصر انفجار الأزمة في هذا التوقيت :
أ- تبدل التوازنات الدولية والإقليمية نتيجة الصمود السوري وصعود الدورين الروسي والإيراني في المنطقة والعالم .
ب- ارتباك الإدارة الأميركية نتيجة الفشل الاستراتيجي الذي صعد الاحتكاك بين اطراف حلف العدوان بخلفية تبادل الاتهامات في المسؤولية عن الفشل والسباق لاسترضاء السيد الأميركي المتطلع إلى حصاد المزيد من الأموال كما جرى في قمة الرياض ولا شيء يمنع تحول الصراع الأخير إلى فرصة ترامبية لاستحلاب الخزائن القطرية بمئات المليارات ويبدو أن تعليق المزاد وتصعيد السعار سيدر أرباحا خيالية على واشنطن.
ت- عجز إمارة قطر نتيجة مصالحها وطموحاتها عن مجاراة الحملة العدائية ضد إيران التي تشنها المملكة السعودية وتضعها كأولوية خليجية حاسمة رغم رضوخ قطر للشروط الصهيونية المتعلقة بتواجد مسؤولين من حماس لديها ولا حاجة للتحذير من تجريب المجرب والظن بقطر وموقفها من كيان العدو ومحور المقاومة كما جرى سابقا في كمين تموز القطري التركي الأخواني المدبر ضد إيران وسورية وحزب الله.
لم بات إخضاع قطر أولوية سعودية ؟
خلافا لظاهر الأمور تمثل الحملة السعودية على قطر تعبيرا عن انكفاء سعودي إلى دائرة النفوذ الإقليمي الأضيق بعد انهزامها في خطة تكريس النفوذ الأوسع وقد علقت بعد سنوات من التورط في سلسلة حروب فاشلة تراوح عالقة عند حلقات الاستنزاف الصعب والمكلف كما هي الحال في العدوان على سورية والحرب على اليمن.
إن الخط البياني لجميع المغامرات الأميركية التي خاضتها المملكة بالشراكة مع حكومات قطر والأردن وتركيا والكيان الصهيوني وغيرها هو خط هابط ومتراجع لا تغير فيه بعض العمليات الاستخباراتية الإرهابية كالعدوان الآثم الذي نفذ في إيران وعليه توقيع سعودي نافر.
خطب تحميل قطر تبعات التقهقر الاستراتيجي تعكس محاولة أميركية لحماية الحصن الرجعي الأميركي الأهم المتمثل بالمملكة السعودية على حساب بقية المتورطين وإعادة رسم الأحجام داخل منظومة الهيمنة بما يحصن مكانة الكيان الصهيوني كمرجعية وعلى أساس استهداف إيران كأولوية وإطلاق حملة الاستنزاف ضد إيران هو هذه المرة تعبير عن هزيمة وتراجع وعجز وليس تجسيدا لقدرات هجومية كما يخيل للبعض.
لاشك ان لتوقيت انطلاق حملة تطويع قطر خلفيات وأسبابا كثيرة أهمها وأبرزها حرارة العلاقة السعودية الأميركية المعززة بثروة طائلة شحن ترامب بعضا منها في طائرته عائدا من الرياض لكن حصر الأمور بهذا العامل فيه سذاجة وسطحية وكذلك فإن تسعير الحملة لاستدراج أموال قطرية مقابلة بتعليق المزاد بين الرياض والدوحة في طلب الرضا الأميركي هو احد الأبعاد في هذه الأزمة ولا يختصرها.
إن الإطار الاستراتيجي العام لما يجري من تفاعلات ويتفجر من تعارضات هو الفشل الذي تراوح فيه حروب الغزوة الاستعمارية الصهيونية الرجعية في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة وما بلغته من نتائج شبه متبلورة على شفا الهزيمة الشاملة للحلف الذي كان الثنائي السعودي القطري في مقدمته وفي خدمته ماليا وعسكريا ومخابراتيا وأساسا بواسطة فصائل القاعدة متعددة الجنسيات.
لقد جعلت المملكة السعودية من توسيع رقعة نفوذها الإقليمي ومضاعفة حجمها ودورها في المنطقة هدفا رئيسيا للحرب على سورية ولغزو ليبيا وتدمير العراق واستهداف حزب الله واستنزاف إيران واعتراض صعودها السريع كقوة كبرى.
إن النظرة السعودية الفعلية لجميع فصول الغزوة الاستعمارية في المنطقة قامت على اعتبارها وسيلة لتأكيد زعامة السعودية ودورها في خدمة الهيمنة الأميركية والغربية على المنطقة بعد إخضاع الحكومات والحركات العاصية التي قاومت المسعى السعودي لفرض الهيمنة الأميركية الصهيونية على المنطقة منذ مايزيد على خمسين عاما أعقبت هزيمة حزيران 1967 وانكفاء المد القومي التقدمي في البلاد العربية الذي مثله صعود زعامة جمال عبد الناصر.
تأديب قطر يقود إلى إخضاع مجلس التعاون الخليجي الذي اظهرت بعض دوله كإمارة الكويت وسلطنة عمان ميلا للاستقلال النسبي عن التوجهات السعودية كما برهنت الحرب على سورية والحملة ضد إيران وهو في الوقت عينه طريق آمن لاحتواء الشكوى المصرية الملحة من الصمت السعودي على دعم قطر وتركيا للحملات السياسية والتخريبية التي يقودها الأخوان المسلمون وكذلك هو سبيل غير مكلف لإخضاع الإمارات التي سبق ان حافظت على علاقات اقتصادية وسياسية مع إيران حصدت منها الكثير من النفوذ والمكاسب السياسية والاقتصادية وهي تشارك اليوم بحرارة في الحملة على قطر التي لايخفي بعض قادة الإمارات إعجابهم بها وبفاعلية حركتها الإعلامية والسياسية.
الهزائم وتقلص النفوذ فرضا تراجع الطموح السعودي من النطاق العربي الأوسع إلى المدى الخليجي المباشر ولذلك باتت قطرهي الأولوية لأنها الدولة الخليجية المنافسة والأغنى وصاحبة الحظوة السياسية والعسكرية لدى الولايات المتحدة كما بفعل علاقات الدوحة المتينة مع تركيا المنافس الإقليمي الإسلامي للسعودية وتركيا هي شريكة قطر الكبرى في رعاية التنظيم الدولي للأخوان المسلمين الأداة السياسية المحتملة للتأثير في الداخل السعودي وحيث تتردد كثيرا هواجس الانقلابات في ظل صراعات امراء الجيل الثاني على وراثة العرش ويقينا إن التطلع السعودي الأهم من وراء السخاء مع دونالد ترامب كان تكريس المباركة الأميركية لخلافة ولي ولي العهد لأبيه الملك سلمان بن عبد العزيز.