إصلاحات لا ينبغي إسقاطها
غالب قنديل
مما لاشك فيه ان نقلة كبيرة في الحياة الوطنية اللبنانية توشك ان تحدث بنتيجة التفاهم على اعتماد النظام النسبي والولادة القريبة المتوقعة لقانون انتخاب جديد وهذا ما يفتح مسارات تطوير النظام السياسي بقوة ومن المنطقي ان تعتبر القوى التغييرية العلمانية والراديكالية في البلاد ان المهمة لم تنجز بعد لكنها بداية فعلية تستحق الاهتمام وليس المطلوب فحسب هو التمسك بالدعوة إلى تعديلات على القانون الجديد بعد صدوره للعودة إلى صيغة اعتماد الدائرة الوطنية الواحدة خارج القيد الطائفي في الاتخابات النيابية إلى جانب تأسيس مجلس للشيوخ على القاعدة الطائفية ومن حق قوى التغيير المدنية الديمقراطية المناهضة للطائفية السياسية ان تواصل النضال من اجل هذا الهدف دون إنكار حقيقة ما جرى بوصفه نقلة جدية ومهمة إلى الأمام شاركت في إنضاجها القوى السياسية الرئيسية في البلاد في استجابة واضحة لحاجة التغيير السياسي ولتحديث النظام اللبناني.
اولا إن ما جرى كان صعبا وشاقا لأنه كناية عن تسوية مؤجلة منذ اتفاق الطائف الذي طبق بصورة مشوهة بسبب إصرار القوى المكونة للسلطة السياسية على تفصيل الدوائر الانتخابية واعتماد النظام الأكثري الإلغائي في الانتخابات لتصعيدعملية الإقصاء السياسي غير المحصورة طائفيا والتي حكمتها غلبة المشروع الاقتصادي الإعماري ورهانات تكريس هيمنة سياسية طائفية بنيت على تهميش قوى رئيسية يتقدمها التيار الوطني الحر وقيادته التي تم التخريب المتعمد لفرص التواصل بينها وبين كل من القيادة السورية والقيادات اللبنانية الأخرى الفاعلة التي راهنت على التناغم مع نبض التيار التغييري في حلف وطني واحد ومنذ ذلك الحين علق التطبيق الفعلي والمتوازن للطائف كتسوية سياسية طائفية مفتوحة السقف وقابلة للتطوير نحو بناء دولة مدنية لاطائفية.
إلى جانب التسوية الجديدة لا بد من الحفاظ على حيوية المطالب الإصلاحية التي لم تتضمنها وفي مقدمتها خفض سن الاقتراع والكوتا النسائية وغيرها.
ثانيا تسوية اعتماد النظام النسبي وإقرار قانون انتخاب جديد هي خطوة ممتازة ومهمة إلى الأمام توفر فرصا جدية للقوى التغييرية الجذرية في المجتمع ينبغي التقاطها لخوض المنافسة الانتخابية بجدارة وببرامج متطورة وطموحة سياسيا واقتصاديا.
من هنا نقترح الانتقال إلى البحث الجدي في تكوين جبهة شعبية يسارية للتغيير تطرح لوائح مرشحيها وتخوض الانتخابات في كل لبنان ببرنامج تغييري راديكالي واضح انطلاقا من العمل لبناء دولة وطنية مدنية مقاومة واعتماد نظام المجلسين بتحرير البرلمان من القيد الطائفي وسن قانون اختياري للأحوال الشخصية وخفض سن الاقتراع إلى 18 عاما وعبر تبني تغييرات اقتصادية اجتماعية شاملة تنقل البلاد إلى مرحلة البناء الاقتصادي الإنتاجي وتعزيز الرعاية الاجتماعية والتوجه للانخراط في التكتل الشرقي الاقتصادي انطلاقا من الشراكة مع سورية وإيران والعراق وروسيا والصين وتفعيل التواصل الاقتصادي والاستثماري الذي اطلقته وزارة الخارجية مع الاغتراب اللبناني في العالم ضمن خطة وطنية شاملة.
ثالثا إن جميع الإصلاحات الانتخابية ستفقد الكثير من قيمتها ما لم تتضمن آليات صارمة لمراقبة الإنفاق الانتخابي ولتحقيق آليات قانونية وإدارية لضمان الحقوق المتكافئة في الحملات الإعلامية الانتخابية ومنع التحريض والترويج الدارجين في سلوكيات الإعلام اللبناني خلال الانتخابات.
إن إدراج تلك الآليات الناظمة في صلب القانون الجديد يتطلب ضغطا جديا وهو ليس مضمون النتائج وينبغي على القوى التغييرية ان تتطوع للمهمة مباشرة وتقود التحركات التي تعزز فرص تحصين الإنجاز المتمثل باعتماد النسبية مع التبني التام لجميع الملاحظات الوجيهة على تصغير الدوائر وسواها من الشوائب الناتجة عن كون الاتفاق الحاصل تسوية بين المطالبين بالنسبية الكاملة والمتمسكين بالنظام الأكثري لتكريس هيمنتهم السياسية وهم من حالوا دون أي تقدم جدي في طريق تصحيح التمثيل الذي أنجزت منه مع تفاهم بعبدا خطوة كبيرة إلى الأمام.