ضربة ترامب العسكرية: ايران والنظام السوري رابحان د. ليلى نقولا
أتت الضربة العسكرية الأميركية لمطار الشعيرات السوري على أثر حادثة خان شيخون الكيماوية، لتعيد خلط الأوراق ولتساهم في غموض الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط في عهد ترامب، وتفتح الاحتمالات على خيارات متعددة.
في بداية عهد ترامب وقياسًا على ما كان قد صرّح به هو وأركان إدارته، كان من الواضح أن الاستراتيجية الاميركية الجديدة سوف تقطع مع ارث اوباما الذي اعتمد استراتيجية “الاستنزاف”؛ اي أن اوباما حاول أن يبقي التوازن بين كل من المحاور المتقاتلة في سوريا؛ بين المجموعات الارهابية التكفيرية من جهة، والمحور الروسي الايراني- حزب الله- الجيش السوري من جهة أخرى. وبالاستنزاف كان اوباما يحقق مكاسب أميركية صافية بدون خسائر، إذ يُضعف جميع خصومه بدون أن يخسر الجيش الاميركي أي شيء- إلا بعض الدعم اللوجستي والتدريبي والتسليحي لمجموعات معارضة في الداخل السوري- في مقابل انتشار عسكري وميداني ونشر قواعد أميركية في الداخل السوري.
أتت استراتيجية ترامب الاولى في الشرق الأوسط، لتقطع مع استراتيجية “الاستنزاف”، ولتعلن الرغبة في التعاون مع الروس حصرًا، على أن يكون هناك احتواء لايران وتحييد النظام السوري، على أمل أن يستطيع ترامب أن يقنع الروس بأخذ مصالحهم في الشرق الأوسط مقابل التخلي عن دعمهم القوي لمحور المقاومة. وهذه كانت استراتيجية ذكية، تعمل على إغواء الروس وتفكيك الأحلاف التي تشكلت بوجه الادارة الأميركية خلال عهد اوباما ( الحلف الصيني الروسي- الحلف المتشكّل حول سوريا- البريكس).
أما اليوم، وبعدما استطاعت الدولة العميقة الأميركية أن تنتصر على ترامب، وتجعل إدارته تحت سيطرة الجنرالات العسكريين عادت العلاقات مع الروس الى التشنج، وسيكون هناك خاسرون ورابحون في تغيير الاستراتيجية الأميركية تلك، نذكر منهم:
– ترامب: قد يكون ترامب خسر في بعض المواضع بسبب تغيير ما وعد به، ولكن الربح الذي حققه بالدعم الاعلامي والسياسي الاميركي والغربي – وخاصة ممن كانوا ينتقدونه- يعوّض ما يمكن أن يخسره، لا بل يزيده ويريح ترامب في الداخل ويجعله يستمر بحكمه بعدما عاد للسياسة التقليدية المتبعة؛ التدخلات العسكرية ومحاولات الهيمنة التي تؤدي الى مزيد من بيع الاسلحة وتسمح للشركات الأميركية المختلفة بالاستفادة المادية.
– محور المقاومة: المشكلة في الاستراتيجية الاولى، أن ترامب كان يريد اغواء الروس لتحقيق مصالح قد تتضارب مع مصالح محور المقاومة في سوريا، ومنها قطع التواصل الجغرافي بين كل من العراق وسوريا، وأعطاء الاكراد حكم ذاتي، والابقاء على القواعد الأميركية العسكرية في شرق وشمال شرق سوريا، وتقسيم سوريا الواقعي الذي يتيح للأميركيين باقتطاع مناطق نفوذ لهم في الجغرافيا السورية، والتي كانت ستستنزف قوى المقاومة بشكل أكيد. ضف على ذلك، السماح بترتيبات تسمح بحفظ الامن الاسرائيلي بابعاد أي امكانية لتشكّل مقاومة في الجولان المحتل عبر إخراج المثلث الأخطر على الحدود السورية والاردنية مع فلسطين المحتلة من سيطرة الحكومة السورية.
الرابح الأكبر من القصف الاميركي لمطار الشعيرات، يمكن أن تكون ايران هي الرابح الأكبر، لان الاستراتيجية الاميركية الاولى في عهد ترامب كانت عدائية تجاهها، ولم تتبدل اليوم.
أما بالنسبة للنظام السوري، فإغواء الروس كان يمكن أن يسمح ببعض القلق على مصير الرئيس السوري بشار الاسد، الذي لطالما صرّح الروس بأنهم غير متمسكين به بشكل شخصي، ولكنهم يريدون أن يقرر الشعب السوري مصيره بنفسه.
ما تغير اليوم، هو تقليل فرص تباعد المصالح الروسية مع محور المقاومة، بسبب حاجة الروس الى قوى عسكرية تقاتل على الارض، ولأن الثقة بين الطرفين الاميركي والروسي باتت مفقودة بشكل أكبر من قبل، ولا ينسى الروس “الغدر” الذي تعرضوا له في عهد اوباما من خلال القضية الليبية، ومن خلال الاتفاقات التي عقدها لافروف مع جون كيري وأطيح بها على الأرض السورية.
“ربّ ضارة نافعة”، قد يكن هذا المثل ينطبق على الضربة العسكرية لمطار الشعيرات في سوريا؛ فروسيا اليوم ستكون أكثر التصاقًا بحلفائها في سوريا، لأنها تخشى أن تخسر ما حققته من مصالح على الارض السورية، وتخشى على ما حققته من مكاسب استراتيجية هامة لم تستطيع تحقيقه خلال كل تاريخها منذ الامبراطورية القيصرية لغاية اليوم.