الحملة الأميركية ضد إيران
غالب قنديل
تعطي إدارة دونالد ترامب في توجهها السياسي أولوية حاسمة لتعميم موجة من العداء والكراهية ضد إيران بذريعة تهمة دعم الإرهاب وهي تقصد بالتحديد تبني طهران لحركات المقاومة والتحرر المناهضة للحلف الاستعماري الصهيوني في المنطقة عموما وتتعمد هذه الحملة طمس وتجاهل ما تقدمه إيران من مساهمات كبيرة في مقاتلة الجماعات التكفيرية الإرهابية التي يفترض الخطاب الأميركي بشأنها ان تكون عدوا مشتركا لا بد من التنسيق والتعاون في مقاتلته حيث توافرت الفرصة والقدرة لا سيما في ظل الدعم الإيراني المعروف لكل من العراق وسورية في حربهما للتخلص من القاعدة وداعش وقد اختلس المسؤولون الأميركيون صيغا للتنسيق غير المصرح به أحيانا بدافع الاضطرار وأنكروا ذلك في العلن.
تمضي إدارة ترامب على العكس من المنطق الطبيعي في تأجيج العداء لإيران وعلى الرغم من اضطرارها للتراجع عن شعارها الوهمي الذي اطلقه الرئيس الأميركي خلال حملته للانتخابات الرئاسية أي “تمزيق الاتفاق النووي” فبعد إجراء الحسابات القانونية والاستراتيجية لكيفية التعامل مع الاتفاق توصل إلى حصيلة كرسها بالإعلان خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع بنيامين نتنياهو في واشنطن حول ضرورة “التمسك بتطبيق الاتفاق بحذافيره”.
ثمة فارق شاسع بين تمزيق اتفاق وبين اعتماده مرجعية لمحاكمة السلوكيات والقرارات الإيرانية وقد سعى الإعلام الأميركي والعالمي لطمس هذا التراجع الكبير وتنحيته عن الأضواء وهو في الواقع كان بمثابة هزيمة معنوية لواشنطن وتل أبيب مجتمعتين لكن اللغو السياسي المعادي لإيران ما يزال مستمرا ومعه الرهان على العودة إلى خط العقوبات الأميركية امام استحالة فرض عقوبات دولية مع اختبارات الفيتو المزدوج الروسي الصيني في شان سورية ولذك فالإدارة الأميركية تسعى لاتخاذ قرارات أميركية بعقوبات اقتصادية ضد إيران بذريعة برنامج صناعة الصواريخ الباليستية الإيرانية وفي هذا التوجه امتداد لخيار انشأته إدارة باراك اوباما خلال المفاوضات النووية وبعدها.
من بين مجموعات الضغط النافذة داخل المؤسسة الأميركية الحاكمة اختار دونالد ترامب وفريقه حضن اللوبي الصهيوني وتوصياته لصنع السياسات ومن الواضح دور هذا البعد التكويني في فهم العداء الكبير لإيران ودورها بعد نجاحها خلال أربعين عاما وفي ظل خنوع الحكومات العربية الدائرة في الفلك الغربي بمثابة القوة الرئيسية الداعمة إقليميا لقضية فلسطين ولمعسكر المقاومة والتحرر والاستقلال في الوطن العربي من خلال شراكتها الاستراتيجية مع الجمهورية العربية السورية منذ انتصار الثورة.
قدمت إيران في سلوكها البرهان العملي على دعمها لنضال الشعب الفلسطيني وكرست قيادتها مفهوم إسقاط الغدة السرطانية الذي صاغه الإمام الخميني كهوية للجمهورية التي أسسها بينما اطلق الإمام الخامنئي مؤخرا مفهوم تحرير الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية من أي شرط سياسي او إيديولوجي وهو ما شكل نذيرا بتصعيد للانتفاضة والمقاومة بعد مؤتمر طهرن الأخير الذي تميز بحضور فلسطيني شامل لجميع التيارات والفصائل بدون استثناء وبشكل كرس مرجعية إيران الفلسطينية شعبيا وسياسيا وهذا يفسر سعار الحكومات التابعة وضيقها من الدور الإيراني المؤسس على فهم استراتيجي عميق عند القيادة الإيرانية لمبدأ ارتباط استقلال إيران وسائر الدول في المنطقة بالصراع الوجودي ضد القاعدة الاستعمارية الأولى لمنظومة الهيمنة أي الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وهذا بالأصل ما كان الأساس لميثاق التحالف الإيراني السوري في المنطقة منذ البداية وهو التحالف الذي عطل ومنع جميع محاولات تصفية قضية فلسطين وقدم دعما كبيرا سياسيا وعمليا لحركات المقاومة التي تقاتل ضد الاحتلال الصهيوني كما بات معروفا ان استهداف ذلك الخيار يقع في قلب الحرب على سورية.
لكن حقيقة أخرى هامة تقع خلف الحملة على إيران تتخطى الوضع الإقيمي والدور الصهيوني وما يمليه من اولويات اميركية وهذه الحقيقة هي ما تمثله إيران كقوة صاعدة في المنطقة والعالم بتحالفها وشراكاتها مع روسيا ومع الصين وهنا بيت القصيد الاقتصادي والجيوسياسي.
لقد طورت إيران تلك الشراكات الاستراتيجية الاقتصادية وساهمت بتحالفها مع الصين في بلورة مشروع طريق الحرير الجديد بما يعنيه من ربط وثيق لخطوط نقل البشر والبضائع والطاقة بين سواحل المتوسط وأقصى شرق البر الآسيوي مرورا بباكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى وسواحل بحر قزوين وصولا إلى بحر الصين والبحر الأسود ومن الواضح ان حروب الولايات المتحدة في المنطقة ولاسيما في سورية والعراق تتصل بصورة وثيقة بهذا الصراع الوجودي مع الصين على موارد الطاقة والأسواق العالمية وحيث تمثل إيران حليفا وشريكا شرقيا موثوقا للصين ولروسيا ولسائر اطراف مجموعتي شانغهاي والبريكس الساعية لـتثبيت خرائط جديدة ضد الهيمنة الأميركية ومن هنا فقد أقحمت واشنطن سائر الحكومات التابعة للغرب في المنطقة ولا سيما في الوطن العربي بخيار مقاطعة إيران وصعدت من حملات التحريض والكراهية المذهبية والعرقية لمحاصرة ما تسميه بالتمدد الإيراني ويمكن تفسير الانقلاب التركي الأخواني ضد إيران بالطلبات والتوجيهات الأميركية مؤخرا وليس فحسب نتيجة ممالأة أردوغان ونفاقه لتل أبيب والرياض .
… هكذا تستمر الحملات بانتظار من يكشف لشعوب المنطقة مصالحها الحقيقية ويميط اللثام عن الخلفيات الفعلية للحملات الأميركية .