معركة استعادة الباب تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا فابريس بالونش
في الخامس من كانون الثاني/يناير، هدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإقفال “قاعدة إنجرليك الجوية” أمام التحالف الدولي الذي يحارب تنظيم «الدولة الإسلامية»، مشيراً إلى غياب الدعم الأمريكي لمساعيه الرامية إلى استعادة مدينة الباب السورية الخاضعة لسيطرة التنظيم. ومن المرجح أن تدفع هذه المعركة واشنطن إلى اتخاذ بعض الخيارات الصعبة بشأن هوية الحليف الأهم في حملتها ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» – أهو تركيا أو الأكراد.
استعادة الباب تثبت أنها أكثر صعوبة من استعادة جرابلس
منذ 14 تشرين الثاني/نوفمبر، يتقدّم الجيش التركي وقوات المتمردين السوريين الحليفة نحو الباب. وبحلول 10 كانون الأول/ديسمبر، كانوا قد دخلوا ضواحي المدينة الغربية، واستولوا على جبل الشيخ عقيل في 20 كانون الأول/ ديسمبر. ويُرجح أن القوات التركية قد افترضت أن هذا الموقع سيجعل عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» تحت مرمى نيرانها ما سيجبرهم بالتالي على الفرار، تماماً كما فعلت في معركة استعادة جرابلس.
ومع ذلك، ففي 22 كانون الأول/ديسمبر، استعاد تنظيم «الدولة الإسلامية» الجبل، مكبّداً القوات التركية والمتمردين خسائر فادحة. فقد أفادت بعض التقارير عن مقتل أربعة عشر جندياً تركياً؛ كما أحرق التنظيم سجينين من الجيش التركي وهما حيان، ونُشر فيديو عن مقتلهما المروع بشكل واسع على شبكات التواصل الاجتماعي.
ورداً على ذلك، أمطرت المقاتلات التركية مدينة الباب بالقذائف، متسبّبة بمقتل 72 مدنياً في 23 كانون الأول/ ديسمبر، وفقاً لبعض التقارير. ووفقاً لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان” سقط 173 مدنياً في المجموع، جراء العمليات التي قادتها تركيا ضد المدينة منذ 14 تشرين الثاني/نوفمبر.
وفي هذا السياق، أعلن أردوغان في 4 كانون الثاني/يناير أن هذه المعركة ستنتهي بسرعة، وأرسل تعزيزات من الجنود والدبابات الإضافية إلى المنطقة. وقد أشارت تقارير صحفية تركية أن 8 آلاف جندي يشاركون في الحملة وأن تحركاتهم الأخيرة تدل على أن أردوغان ينوي الآن محاصرة الباب وقطع خطوط اتصالها بالرقة، “عاصمة” تنظيم «الدولة الإسلامية».
إلا أن هذه المقاربة تطرح السؤال حول ما إذا كانت تركيا ستمنع حدوث المزيد من الإصابات في صفوف المدنيين، وكيف ستقوم بذلك. يُذكر أنه حين حاصرت «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد منبج وسيطرت عليها في حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2016، حرصت إلى حدّ كبير على تقليص الأضرار الجانبية ضد المدينة نفسها وضد سكانها، لكنها تكبّدت في الوقت نفسه خسائر عسكرية فادحة في خضم هذه العملية. وقد أفاد قائد الميليشيا المدعومة من تركيا السلطان مراد مؤخراً أن بضعة آلاف فقط من المدنيين لا يزالون في الباب، لكن هذه الادعاءات غير صحيحة: فقبل الحملة التركية، ضمّت المدينة نحو 100 ألف نسمة، إلى جانب 50 ألفاً آخرين في البلدات المجاورة القباسين، تادف، وبزاعة. وكما حصل في الموصل، منبج، والرمادي من قبل، منع تنظيم «الدولة الإسلامية» المدنيين المحليين من الفرار، لأنه ينوي استخدامهم كدروع بشرية.
ومن أجل تجنّب مذبحة محتملة، سيحتاج أردوغان بالتالي إلى دقة القوة الجوية الأمريكية. صحيح أن القوات الجوية الروسية دعمت بعض العمليات التركية حول المدينة، لكن من غير الواضح ما إذا كانت تتمتع بالقدرة المحلية على شنّ حملة واسعة النطاق بضربات محدّدة الأهداف، أو بالرغبة في القيام بذلك.
مصداقية أردوغان، معضلة واشنطن
من المرجح أن تؤثّر نتيجة المعركة على مصداقية أردوغان أمام الشعب التركي. فالهدف الرئيسي من تدخله في سوريا هو منع توحيد الكانتونين الكرديين الكبيرين على طول الحدود الشمالية، والباب هي صلة الوصل الأساسية بينهما. كما تلعب الحملة على حسّ الوطنية التركي بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/يوليو الماضي.
فضلاً عن ذلك، حذّر أردوغان من أن الجيش التركي سيستعيد منبج من الأكراد بعد الباب، علماً بأنه كان من المفترض أن تغادر «قوات سوريا الديمقراطية» المدينة في العام الماضي، كما وعد نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الرئيس التركي أردوغان في آب/أغسطس. وقد تسعى أنقرة إلى تحقيق هذا الوعد في ظل تطوّر المعركة لاستعادة الباب.
غير أن مطالبة الأكراد بمغادرة منبج قد تنهي تحالفهم مع الولايات المتحدة – وهو احتمال مقلق نظراً إلى قدرتهم المثبتة ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية»، والتي تجلّت مؤخراً في هجوم «قوات سوريا الديمقراطية» الناجح في إطار سعيها إلى السيطرة على “سد الثورة”، المفتاح للاستيلاء على الرقة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هي الخيارات المتاحة أمام واشنطن في ظل هذا الوضع الحساس؟
إن عدم التحرك سيُغضب أردوغان الذي لن يتردد في سحب حق الدخول إلى “قاعدة إنجرليك الجوية”. وهذا من شأنه أن يعقّد مهمة التحالف، لكنه لن يجعلها مستحيلة؛ فبإمكان القوات الحليفة قصف منطقة الرقة من قواعد في الأردن والعراق ودول الخليج، أو قبرص (ولكن مع عراقيل إضافية تتعلق بالمسافة وأمن الطريق). مع ذلك، ستستعيد تركيا في النهاية مدينة الباب بمساعدة الولايات المتحدة أو بدونها، وعلى الأرجح عبر قصفها والتسبّب بوقوع خسائر فادحة في صفوف المدنيين. وعندئذ، قد يطبّق أردوغان الأسلوب نفسه على منبج إذا لم تكن «قوات سوريا الديمقراطية» قد انسحبت بحلول ذلك الوقت، مما يبقي واشنطن مع احتمال حدوث مجزرة مريعة بحق المدنيين، وحدوث مواجهة عسكرية مباشرة بين تركيا والأكراد، والمزيد من التدخل من قبل الروس، الذين من المرجح أن يقحموا أنفسهم حكاماً بين أنقرة والأكراد.
وفي المقابل، إذا دعمت واشنطن أردوغان في الباب، قد تساعد على الحدّ من حصيلة القتلى عبر منع قصف عشوائي يستهدف المدنيين. وسيطمئن الجنود الأتراك والمتمردون من نوعية الدعم الجوي الذي سيصيب الأهداف الصحيحة، ما سيشجعهم على إحراز تقدّم في المعركة الميدانية ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية».
ويقيناً، تنطوي هذه المقاربة على خطر استفادة أردوغان من تحقيق انتصار في الباب من خلال مهاجمة منبج أو حتى تل أبيض، معقل «قوات سوريا الديمقراطية». فهذا السيناريو الأخير قد يقوّض إلى الأبد أي احتمال بقيام حكم ذاتي كردي في سوريا، حتى في أقاليم مقسّمة. ومن شأن إقناع الأكراد بمغادرة منبج طوعاً أن يحول دون هذه النتيجة. وفي وقت قد يندثر فيه هدف الأكراد الأشمل بتوحيد مقاطعاتهم السورية مع سقوط الباب، على المسؤولين الأمريكيين التفكير ملياً في ما إذا كان دعم الحلم السياسي للأكراد أهم من المحافظة على تحالف الولايات المتحدة العسكري مع أردوغان. وعلى كل حال، يبقى تجنّب وقوع مواجهة تركية- كردية في سوريا مهماً للغاية من أجل تحرير الرقة عاجلاً وليس آجلاً، لا سيما إذا أرادت الولايات المتحدة القيام بذلك دون أن تكون مضطرة إلى التعاون بشكل وثيق مع روسيا.
فابريس بالونش، مدير الأبحاث في “جامعة ليون 2″، وباحث زائر في معهد واشنطن.