مراكز الابحاث ترسم خريطة سياسات ترامب المقبلة بقلم د.منذر سليمان
توطئة:
هذه المساهمة هي استكمالا لجهد المركز استعراض أهمية ودور مراكز الابحاث في رسم وبلورة السياسات الاميركية المتعددة، التي تناولها في دراسته السابقة عن تلك المؤسسات، بعنوان ادارة ترامب ومراكز الابحاث: المقربون الجدد، مطلع الشهر المنصرم .
تميزت حملة ترامب الانتخابية باطلاقه التصريحات الحادة على عواهنها، ولم يوفر مؤسسات مراكز الابحاث من ازدرائه وانتقاداته وتوجسه، وطالب بتقليص ادوارها ونفوذها على اركان المؤسسة الحاكمة، ونادى “بتجفيف مستنقع” السياسيين في واشنطن. بعد هدوء عاصفة الانتخابات بادر بعض مسؤولي المراكز المحافظة التقليدية الاتصال باركان فريقه الانتقالي لعرض الخدمات المنوطة بالرئيس المقبل بلورتها، وتشذيب رؤاه.
في هذا السياق تتعزز محورية الاضاءة المكثفة على “حقيقة” مراكز الابحاث التي حافظت على نفوذها الطاغي في اركان المؤسسة السياسية الاميركية، التشريعية والتنفيذية والقضائية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتدريجيا خلال الحرب الباردة وما تلاها من هزات وتطورات محلية وعالمية. وامتدادا، يمكن الاستنتاج ايضا بما تقوم به رديفاتها الاوروبية، وعلى رأسها “معهد تشاتام هاوس،” في بريطانيا، من رسم سياسات اوروبية موازية ولا تتعارض مع السياسات الاميركية.
جدير بالاشارة ان متطلبات العولمة في القرن الحالي وتداعياتها على الدول النامية، بشكل خاص، ادت لتراجع دور الدولة المركزية لصالح املاءات وتوجهات مراكز الابحاث وملحقاتها من “منظمات غير حكومية” التي يراها البعض اداة ميدانية لمموليها في مراكز الابحاث والمنتشرة في عدد من الدول والمناطق المختلفة؛ تجمعات بمسميات رفيعة تجري مسحا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا لمجتمعاتها بما يتسق واهداف الممولين من “مراكز” ومؤسسات.
مدخل: مراكز ابحاث ام حكومات ظل موازية
تعتبر مراكز الابحاث امتدادا للسياسة الاميركية وتشاطرها وظيفة “بلورة ورسم السياسات المقبلة،” بعيدا عن اي هيئة رقابة او محاسبة، بعضها يتلقى معونات مالية حكومية دون ان يرافقها مساءلة واضحة – على نقيض ما تفترض الممارسات الديموقراطية التي تستند الى المساءلة والمحاسبة. ربما الوصف الادق هو انها بمجموعها تخضع لسيطرة “بعض الافراد” النافذين بين النخب السياسية والاقتصادية، التقليدية والصاعدة، الذين “يمارسون ادوارا هامة ترافقها قدرات ذاتية غير محددة المعالم والمميزات ولا تخضع لاجراءات المساءلة.”
الركائز الفكرية الجامعة لتلك “النخب” هي رؤاها الضيقة لمستقبل الكون برمته انطلاقا من تسليمها بنظرية التفوق الاحادي في “صراع الحضارات” البائسة؛ ترويج لا يزال طاغيا وان بمسميات اخرى مبتكرة، خاصة وان خلاصاتها تتجسد في “اجترار حلول واهداف تتحقق بفعل الصراع والتجزئة والتقسيم، واثارة القلاقل” في مناطق اقليمية معينة تخدم مصالحها، وليس بفعل التعاون والتنافس السلمي – كما تروج ادبياتها.
شهد افول القرن الماضي وبروز القرن الحادي والعشرين ظاهرة تعددية “المنظمات غير الحكومية،” وانتشارها في بقع جغرافية محددة، لا سيما في المنطقة العربية والساحة الفلسطينية ودول “الطوق” بشكل ادق؛ تعود مرجعيتها بغالبيتها ان لم نقل بشموليتها الى عدد محدود من “مراكز الفكر والابحاث،” اميركية بالدرجة الاولي واوروبية عندما تتطلب الحاجة، ابرزها مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية، بشطريها المرتبطين بالحزب الديموقراطي والجمهوري تباعا. تلك المؤسسة واخواتها في اميركا كان لها الدور الابرز في احتضان واطلاق “الثورات الملونة” التي اجتاحت بلدان المنظومة الاشتراكية السابقة، وامتدت للمنطقة العربية عبر “ثورة الياسمين،” وما درج على تسميته “الربيع العربي” الدموي.
من ضمن “المؤسسات” مميزة النفوذ مؤسسة هاريتاج، الركيزة الفكرية الأهم للحزب الجمهوري واداراته المتعاقبة؛ مؤسسة راند، المعروفة ايضا بشركة راند البحثية التي تعد من ابرز المتنفذين في اجندة الاستخبارات الاميركية وعلى رأسها وكالة الاستخبارات المركزية، كما يفيد بعض ضباطها المتقاعدين.
فيما يخص العالم العربي برمته، تبرز مؤسسة كارنيغي ومعهدها البحثي والوقفي في آن، ويمتد نفوذها على رقعه جغرافية واسعة منها مقر رئيس وهام في بيروت، ولاحقا الدوحة، ومراكز اخرى في موسكو وبيجينغ ونيودلهي؛ مما يوفر لها ممارسة نفوذها على نطاق عالمي.
صناع سياسة ترامب
من اهم ميزات “المرحلة الانتقالية” في مؤسسة الرئاسة الاميركية ان الرئيس المقبل، دونالد ترامب، حافظ على اولوية حضور الجنرالات في مراكز صنع القرار، وارتكازه ايديولوجيا على مراكز ابحاث هامة تمثل التيارات اليمينية والمحافظين الجدد. تلك الاشارة ضرورية لسبر اغوار المرحلة المقبلة من السياسة الاميركية.
كانت مؤسسة راند البحثية اول من دشن معالم السياسات العامة للادارة المقبلة، واطلاق العنان لسباق التسلح، باصدارها “دراسة” تبشر فيها بالتأزم والصدام المقبل في شرق آسيا، بعنوان “الحرب مع الصين: التفكير بالاحتمالات فوق العادية،” منتصف شهر آب/اغسطس العام الماضي.
بايجاز، استعرضت الدراسة التي شارك في اعدادها سلاح البر الاميركي “الخيارات المتاحة الناجمة عن نشوب حرب بين دولتين نوويتين دون ادنى مبالاة للعواقب الكارثية التي ستطال شعوب الولايات المتحدة والصين وبقية العالم.”
كما استندت الدراسة الى جملة من الفرضيات الخاطئة: الحرب مع الصين لن تستدعي تدخل قوى اخرى؛ وانها ستبقى محصورة في منطقة شرقي آسيا؛ وعدم لجوء الدولتين لاستخدام الاسلحة النووية. واستنتجت ان كلفة الصراع ستكون باهظة لا سيما وان “الولايات المتحدة لا يمكنها الرهان على تفوقها ميدانيا، او قدرتها على تدمير الدفاعات الجوية الصينية المتطورة، او انجاز نصر مؤزر ..” وتستطرد ان الخسائر الاميركية “ستتصاعد” في حال ارجاء الصدام العسكري لعام 2025، مقارنة بالصدام النظري السابق الذي شهدنا تجسيده عام 2015.
الصدام المرئي المذكور جائز من الناحية النظرية استنادا الى الازمة البنيوية التي تعتري النظام الاقتصادي والسياسي العالمي، ان لم يتم تفاديه باعادة ترتيب بعض الاولويات الكونية، على رأسها قبول الولايات المتحدة بمنافسين دوليين آخرين لها على الساحة العالمية.
عودة لاختيارات ترامب، ما يتضح هو افراط ثقة فريقه بمؤسسات الفكر والابحاث المؤيدة للتيار المحافظ والمحافظين الجدد، ومن الطبيعي الاستنتاج انه سيصغي لارشاداتهم وتصوراتهم، خاصة وان عناصر طاقمه للأمن القومي والسياسة الخارجية مروا على منابر المؤسسات الفكرية المتعددة: مؤسسة هاريتاج؛ معهد المشروع الاميركي؛ معهد هوفر؛ ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية – التي تم التطرق لها بمجموعها في تقريرنا السابق.
مؤسسة هاريتاج
تعتبر هاريتاج احدى اعرق المؤسسات اليمينية منذ تأسيسها عام 1973، بتمويل من وريث عائلة “كوورز Coors” لمشروب الجعة، جوزيف كوورز؛ وضمت نائب الرئيس الاسبق ديك شيني كأحد مستشاريها عام 2013.
تتميز المؤسسة عن قريناتها الاخريات من مؤسسات التيار المحافظ بأن لديها مروحة واسعة من القضايا ذات الاهتمام تتوزعها نخبة من نحو 50 “خبير وعضو مشارك،” يعاونهم نحو 235 عنصر اداري وبحثي لمراقبة كافة نواحي المسائل الهامة للتيار المحافظ.
نظرا لتلك الخصائص وغيرها، من المرجح ان تعود المؤسسة الى صدارة الاحداث والقرارات السياسية في عهد ترامب، على المستويين الداخلي والخارجي على السواء، خاصة وان المؤسسة تتبجح بفرادة نمط عملها المستند الى “آلية انتاج دراسات دقيقة ذات ابعاد ايديولوجية،” على الرغم من عدم تقيدها بالقواعد العلمية والبحثية الصارمة، يعززها تمويل ثابت لا ينضب من كبريات الشركات والممولين.
تعرضت مؤسسة هاريتاج الى حوادث قرصنة لسجلاتها وتمويلها وملفاتها الداخلية، تموز / يوليو 2015، ونشرت محتوياتها على شبكة الانترنت. اوضحت الملفات المذكورة حجم العلاقة الوثيقة القائمة بين المؤسسة وكبريات شركات الاسلحة، لوكهيد مارتن، وسيل التبرعات السخية. في هذا السياق، اقدمت وزارة الدفاع آنذاك على الغاء مشروع طائرة اف-22، عام 2009، التي تصنعها شركة لوكهيد؛ وتحركت مؤسسة هاريتاج على الفور عقب لقاءات شبه شهرية مع مدراء الشركة بهدف شن حملة شرسة لدى الحكومة الاميركية لاعادة العمل بتمويل المشروع الضخم. وهذا ما كان.
من القضايا “المقدسة” بالنسب للمؤسسة فرط اهتمامها بوزارة الدفاع وزيادة الانفاق على الشؤون العسكرية ورفعها الى مرتبة متقدمة عن الاولويات الاخرى. بالنظر الى وعود ترامب الانتخابية “لاعادة بناء وتأهيل المؤسسة العسكرية الاميركية” فليس عسيرا الاستنتاج بدور فاعل وبارز وربما حاسم لمؤسسة هاريتاج في صياغة السياسات الدفاعية، لا سيما وان من ابرز اصدراتها كانت دراسة بعنوان “مخطط للادارة الجديدة،” تناشد فيها ضرورة سد الثغرات الكامنة في الاوضاع العسكرية وايلاء الاولوية لتعزيز الجهوزية القتالية للقوات الاميركية وزيادة عديدها وتحديث ترسانتها، بعيدا عن ضغوط المتطلبات الاجتماعية الاخرى.
يشار الى ان الرئيس اوباما وضع ملامح رؤيته العسكرية ضمنه خطاب القاه امام كلية “ويست بوينت” العريقة، عام 2014، بمفاضلته “تدخلات عسكرية محدودة تستند الى دعم وانخراط قوى دولية متعددة .. لمكافحة الارهاب ومواجهة التحديات العالمية الاخرى؛” الأمر الذي عاد عليه بانتقادات لاذعة من اقطاب اليمين ومؤيدي المؤسسة العسكرية، واتهامه بترؤس مهمة “انحدار الولايات المتحدة وانسحابها من المسرح الدولي.”
رؤية الرئيس باراك اوباما لوظيفة القوات العسكرية تلخصت بالاعتماد على وحدات “القوات الخاصة” لتنفيذ المهام الكبرى بعد الاعياء الذي اصاب القوات العسكرية الاميركية نتيجة انخراطها في حروب متتالية ومستمرة.
كما ان الاسلحة الاميركية المعتمدة هي نتاج تصاميم عصر الحرب الباردة والتي بانت ثغراتها الكبرى في اداء ابرز واحدث طائرة مقاتلة، اف-35، واكثرها كلفة، اذ فشلت في التحليق والمناورة في ظروف جوية ماطرة، وهي في طريقها الانضمام لسلاح الجو الصهيوني، قبل اسابيع معدودة.
يذكر ايضا ان “مشروع الميزانية” العامة لعام 2011 الذي تبناه رئيس لجنة الموازنات في مجلس النواب آنذاك، بول رايان، استند بكثافة على مواد بحثية اجرتها مؤسسة هاريتاج، بعنوان “خارطة طريق لمستقبل اميركا،” التي شكلت بداية توجهات الكونغرس لنقض برنامج الرعاية الصحية الشاملة.
في عهد الرئيس اوباما، سلكت مؤسسة هاريتاج مسارا سياسيا متباينا مقارنة باركان الحزب الجمهوري الذين “احتضنوا” التيارات المتطرفة والمنددة بالمؤسسة الرسمية، تيار حزب الشاي مثالا. وركزت هاريتاج جهودها على تصويب مسار ووجهة ممثلي الحزب الجمهوري في مجلسي الكونغرس في صراع ايديولوجي مع الرئيس اوباما واجنداته، ومواجهة برنامج الرعاية الصحية الشاملة – اوباما كير، بعيدا عن رسم سياسات واستنباط برامج خاصة.
اختيار ترامب لوزير الطاقة، حاكم ولاية تكساس السابق ريك بيري، يضفي خطورة مضاعفة على الاسلحة النووية، انتاجا وتطويرا واستخداما، نظرا لخضوع برامج تطويرها وصيانتها تحت سلطة وزير الطاقة الجديد وتوجهاته المساندة لصناعة الاسلحة وتحديث الترسانة النووية.
استقراء توجهات مؤسسة هاريتاج نحو قضايا الشرق الاوسط يقودنا الى القول ان هاريتاج ترجح المسار التصادمي “.. ففي الشرق الاوسط، يتعين على الرئيس مواجهة طموحات ايران النووية ودعمها للارهاب في سوريا والعراق وليبيا، ومناطق اخرى من العالم.”
كما حثت هاريتاج الرئيس المقبل على”التنصل من الاتفاق المشترك” مع ايران واعادة العمل بنظام العقوبات الاميركية، والبحث في آلية مختلفة تؤدي بمجلس الأمن الدولي تفعيل عقوباته السابقة ضد ايران تدفعها لتفكيك منشآتها النووية. وتطالب المؤسسة اتخاذ اجراءات عقابية مماثلة ضد كوريا الشمالية.
الصين، بنظر مؤسسة هاريتاج، تمثل التحدي البارز لنفوذ الولايات المتحدة، وتطالب الرئيس المقبل بانتهاج سياسة متشددة نحوها ونعزيز علاقاته مع الحلفاء الاقليميين في اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا، تحديدا، وطمأنتهم بالتزام واشنطن تعهداتها الأمنية، بما فيها دعم نظام جزيرة تايوان. كما تناشده تكثيف الدوريات البحرية الاميركية في مواجهة البحرية الصينية امعانا في حرية الملاحة في المنطقة، ومقاومة مساعي الصين للسيطرة على جزر ومناطق في المحيط الهاديء.
اختيار ترامب لوزير خارجيته الجديد، ريكس تيلرسون، يؤشر على نيته في اعادة ترتيب اولويات وزارة الخارجية الاميركية، بالاتساق مع نصائح مؤسسة هاريتاج التي طالبت بخفض مستويات عدد من مكاتب وزارة الخارجية للشؤون الاقليمية “اذ شهد حضورها خلال عقدين ونيف ماضيين على تنامي عديد وحجم الكادر المهني والامكانيات المخصصة لتلك المكاتب. فالنمو المذكور نجم عنه اهدار للامكانيات والموارد، واسهم في تعميق هوة الخلاف السياسي، وادى لتداخل السلطات والصلاحيات فيما بينها.”
وناشدت هاريتاج وزير الخارجية المقبل “اعادة هيكلة طواقم الوزارة وتقليص صلاحيات المكاتب المختصة والحاقها بالمكاتب الاقليمية في الوزارة تحت امرة منصب مستحدث لنائب الوزير للشؤوون متعددة الاطراف.”
واوضحت هاريتاج ضيق ذرع القائمين عليها من تمدد الجهود الديبلوماسية النشطة لوزير الخارجية (في الادارة الديموقراطية،) مطالبة الطاقم القادم “الحد من الاعتماد على صيغ المبعوثين الخاصين والممثلين الخاصين” على السواء. ورصدت المؤسسة وجود نحو 60 مبعوث خاص للشؤون الديبلوماسية موزعون على تصنيفات متعددة: مبعوث خاص، ممثل خاص، منسق، مستشار خاص، وجملة اخرى من رتب ومناصب رفيعة ملحقة اوكلت اليها مهام وادارة ملفات خاصة متعددة. ودقت المؤسسة ناقوس الخطر من الابقاء على تلك الصيغة لا سيما وان المعنيين عادة ما يلجأون للتصرف واتخاذ مواقف خارج الصلاحيات الرسمية لوزارة الخارجية (وفق تفسيرها الضيق) وما قد يترتب عليها من تنافر صلاحيات مع السفراء الاميركيين في المناطق المعنية، علاوة على الكلفة الاضافية.
ادبيات مؤسسة هاريتاج تدل بوضوح على حثها الرئيس ترامب النأي عن سياسات الحفاظ على البيئة، الاجندة الخضراء، لما تشكلة من قيود ومعوقات على برامج التسليح وبلوغها اهدافها المرسومة.
على سبيل المثال، اقرت المؤسسة بأن “الوقود الاحيائي” لا يستطيع تلبية متطلبات توفير الطاقة للقوات العسكرية، وعليه ينبغي احياء الاعتماد على الطاقة الاحفورية المهددة للبيئة. يشار في هذا الصدد الى “تكامل” رؤية مرشح ترامب لمنصب وزير الدفاع، جيمس ماتيس، مع تصورات هاريتاج، اذ طالب قياداته العسكرية ابان اجتياح واحتلال العراق “استثناء” قواته من مشاة البحرية – المارينز من القيود المفروضة على حصص الطاقة زاعما انها كانت احد مسببات تعثر تقدم القوات الاميركية.
لب رؤى مؤسسة هاريتاج في مجال توزيع حصص الطاقة والوقود يمكن ايجازه بايلاء الاولوية للمتطلبات العسكرية وتذليل العقبات، العمل على تخفيف المتطلبات اللوجستية، والنظر الى امكانية الاعتماد على الطاقة النووية – هكذا وبدون خجل.
مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية
نادرا ما يتم دحض القراءة العامة لدور “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية،” كأحد أهم معاقل بلورة السياسات الخارجية التي تقتدي بها الادارات المتعاقبة والدول الاخرى.
انتاج المركز يمكن تصنيفه بالمدرار كما ونوعا، تناول قطاعات ومواضيع متعددة: قضايا الدفاع والأمن القومي؛ الأمن العالمي؛ الاقتصاد والطاقة؛ اساليب الحكم؛ دراسات اقليمية متعددة تعالج قضايا افريقية وآسيوية واميركا اللاتينية وروسيا ودول حلف الناتو.
يشار الى ان الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان اشاد مرارا بالمركز وانتاجاته وتفضيله على ما عداه في دعم سياساته الخاصة بتأييد قوات الثورة المضادة وفرق الموت، الكونترا، في اميركا الوسطى واللاتينية. بل تصدر المركز جهود الدفاع “الفكري” والاعلامي عن فضيحة ايران-كونترا؛ بيع ايران اسلحة في حربها مع العراق واستخدام ريعها لدعم عناصر الكونترا.
مدى نفوذ المركز في اروقة الكونغرس ظاهرة لكل عيان، ويستخدم سياسة الباب الدوار اذ يستقطب بعض الاعضاء للعمل معه بعد تقاعدهم الرسمي. واوضح رئيس المركز الاسبق، عاموس جوردان، مضمون تقارير مركزه للكونغرس بأن “ما يرغب في قراءاته هو افكار تم صياغتها وبلورتها لتصب في سياق خطابه السياسي،” عوضا عن دراسات مكثفة وعميقة.
وزير الخارجية المرشح، ريكس تيلرسون، يشغل مركز عضو مجلس أمناء المركز، مما يؤشر على عمق النفوذ المنتظر للمركز ان يلعبه في رسم معالم السياسة الخارجية الاميركية.
بعد اعلان ترامب ترشيحه لتيلرسون، اصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بيانا اشاد فيه بقدرات الاخير قائلا “السيد تيلرسون كان عضو في مجلس أمناء المركز منذ عام 2005 .. ولعب دوراً نشطاً في الانتاج الفكري للمركز، بتركيز خاص على مسألة الرعاية الصحية على المستوى الدولي؛ وكان أحد مدراء برنامج هيئة المركز لسياسات الصحة العالمية.”
في مسائل رؤى وبلورة السياسات الخارجية، سينشر المركز قريبا سلسلة من احدث اصداراته بعنوان “الانتقال 45،” يحث فيها الرئيس المقبل وفريقه على ضرورة التحلي بالكياسة والواقعية وتفادي مفردات الخطاب الانتخابي، وتحديد معالم السياسة المقبلة والعقيدة العسكرية “على وجه السرعة.”
ومن بين العناصر الهامة للمركز ضرورة “طرح (ترامب) معالم رؤيته لدور الولايات المتحدة في العالم، تحديد مصالح الأمن الوطني؛ الوسائل التي (ينوي) استخدامها لحماية تلك المصالح، وبشكل خاص دور القوات المسلحة في تلك المعادلة.”
تتضمن السلسة ايضا “تحذيرات” موجهة ضد روسيا والصين، مع الادراك التام ان الولايات المتحدة بحاجة لمساعدتهما في عدد من القضايا، تنص على “.. روسيا غزت بلدان مجاورة والصين اتخذت خطوات لعسكرة خطوط الملاحة البحرية الدولية. الولايات المتحدة كانت بحاجة لتعاون الدولتين معا لصياغة، ومن ثم تطبيق، سبل تضمن عدم انتشار الاسلحة ضد ايران وكوريا الشمالية.”
مركز الدراسات ايضا له باع طويل في بلورة الوعي الجمعي من حالات التطرف، وتصدر انتاجها تحت عنوان اعادة النظر بتهديد التطرف الاسلامي: المتغيرات المطلوبة في الاستراتيجية الاميركية. تستند الدراسة الى التنبيه من تشتيت الجهود الاميركية الرسمية ومحورها الراهن هو التهديد المباشر من تنظيم داعش، والخطر الخارجي الذي يمثله على الولايات المتحدة واوروبا. ويمضي المركز بالقول ان قلة ضئيلة من الاميركيين تدرك اهمية نسج الولايات المتحدة شراكة استراتيجية مع دول غالبيتها اسلامية، وان المعركة الحقيقية مع التطرف الاسلامي تجري داخل اراضي دول اسلامية، كما انها معركة تدور حول مستقبل الديانة الاسلامية – عوضا عن التهديد المحدود الذي تمثله المعركة على ديانات ودول خارجية.
ويوضح المركز في دراساته انه يتعين على الولايات المتحدة توفير الدليل الحسي لقدرتها على التصرف بحزم وايضا كشريك باستطاعة الاطراف الاخرى المشاركة منحه الثقة. وفي نفس الوقت، عليها العمل سوية مع الشركاء الأمنيين في الدول الاسلامية ودعمهم في تحديد ثغرات ادت لفشل الاداء وبلورة تدابير فعالة لمحاربة التطرف، وتكثيف الجهود لتعزيز الاوضاع الدفاعية، وتحديد مناحي الفشل الذي لحق بجهود تحديد جذور التطرف الاسلامي.
معهد المشروع الاميركي
يصنف المعهد ضمن فئة ابرز مراكز المحافظين الجدد، ويرجح ان يحجز مقعدا متقدما له في المرحلة المقبلة، يعززه تصريح لرئيس مجلس النواب الحالي، بول رايان، عام 2012 قائلا ان المعهد يشكل “رأس جسر لحركة المحافظين الحديثة.”
يشار الى ان الرئيس الاميركي الاسبق، جيرالد فورد، انضم لطاقم المعهد عقب انتهاء ولايته عام 1976، مصطحبا بعض ابرز الشخصيات اليمينية مثل القاضي روبرت بورك والصحافي البارز ديفيد غيرغين.
كما يعد المعهد من انشط المراكز المؤيدة “لاسرائيل،” وقدم درع تقدير لبنيامين نتنياهو، تشرين1 عام 2015، لجهوده في “اثراء الانتاج الفكري المميز وتطوير السياسة الرسمية ..”
ضم المعهد بعضا من أهم الشخصيات السياسية والمستشارين في ادارة الرئيس جورج بوش الابن، منهم جون بولتون، بول ولفوويتز، ريتشارد بيرل وجون يو. كما انضم لفريقه السيناتور السابق ومرشح نائب الرئاسة الاسبق، جو ليبرمان.
للمعهد ايضا علاقة مميزة مع ادارة الرئيس اوباما، وكان من ابرز وانشط المؤيدين لنشر قوات عسكرية اميركية في العراق وسوريا من منطلق حاجة الاستراتيجية الاميركية لاثبات التزامها باستخدام القوة لتحقيق اهدافها. وطالب فريدريك كيغان، احد كبار مدراء المعهد، البيت الابيض “ارسال ما لا يقل عن 25،000 جندي اميركي للعراق وسوريا، والمرابطة الدائمة هناك.”
شجع المعهد ادارة ترامب على ترشيحجيمس ماتيس لمنصب وزير الدفاع نظرا “لخبرته القتالية السابقة التي تؤهله لتبؤ موقع فريد لمساعدة الرئيس الجديد” في ادارة الحروب الجارية في افغانستان والعراق. كما يتردد من بعض التسريبات اختيار ترامب جون بولتون كمرشح لمنصب نائب وزير الخارجية.
وشاطر المعهد ترشيح تيلرسون لمنصب وزير الخارجية للاسباب عينها التي ساقتها مؤسسة هاريتاج بالتعويل على خبرة المرشح لاحداث اصلاحات جادة في هيكلية وزارة الخارجية الاميركية، ويبلغ تعداد “موظفيها نحو 70،000 شخص بميزانية سنوية قدرها 65 مليار دولار؛” مشددا على ان الوزارة بحاجة ماسة لاعادة الحيوية والنشاط لطواقمها المتعددة وترشيد عدد موظفيها امتثالا للمهام المطلوب انجازها في عهد الادارة الجديدة.
التطرف وتأييد مساعي التغيير بالقوة العسكرية من سمات فكر وانتاج المعهد. في العراق، مثلا تصدر المعهد جهود تبرير دوافع شن العدوان على العراق والتلاعب بمضمون التقارير الاستخباراتية لدعم الغزو والاحتلال؛ بل مضى في تأييد اساليب التعذيب المختلفة التي نفذتها ادارة بوش، لا سيما اسلوب محاكاة الاغراق، وما رشح من معتقل ابو غريب.
في سوريا، دعا المعهد الى تكثيف الغارات الجوية في المسرح السوري معتبرا ان “سلاح الجو (الاميركي) لم يفشل هناك؛ بل لم يتم انخراطه ومشاركته بفعالية.” واضاف في سياق تبريره استخدام القوة ان “الطائرات الاميركية المقاتلة تنفذ غارات ضد سوريا بمعدل سبع غارات يوميا .. مما يمثل معدلا اقل بمئة مرة عما فعله في العراق.”
في العراق وسوريا، يشار الى ديمومة مطالبة المعهد صناع القرار توفير الدعم العسكري للكرد؛ والحث على استخدام مكثف لوحدات القوات الخاصة الاميركية؛ مناشدا الرئيس ترامب العمل الحثيث مع الاردن لانشاء وتوسيع منطقة آمنة على حدوده الشمالية مع سوريا التي يعتبرها “أزمة أجيال، مستقبلها يكمن في فدرلتها ..”
لا يخفي المعهد عداءه الشديد للاتفاق النووي مع ايران، مطالبا الرئيس المقبل بالغاء الاتفاق، كما عبر عنه صراحة جون بولتون، وتسديد ضربات لايران لحملها على “انهاء دعمها للارهاب، وتوفير فسحة اوسع للمناورة الاميركية حين تنضج ظروف التفاوض بشأن الملف النووي.”
معهد هوفر
تأسس المعهد عام 1919 من قبل الرئيس الاميركي هيربرت هوفر، كما يوحي اسمه، قبل تسلمه منصب الرئاسة؛ بغية معالجة تداعيات الحرب العالمية الاولى وكل ما يتعلق بها من تطورات. يعتبر المعهد من اقدم المؤسسات البحثية في الولايات المتحدة، ومقره في جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا. لا يعتبر المعهد من المقربين للدوائر الحاكمة في العاصمة واشنطن، بحكم بعده الجغرافي، بيد انه رشح العديد من اكفأ خبرائه لمناصب عليا في الادارات الاميركية المتعاقبة: هنري كيسنجر؛ جورج شولتز؛ كونداليسا رايس؛ ويليام بيري؛ دونالد رامسفيلد؛ مرشح الرئيس ترامب لمنصب وزير الدفاع جيمس ماتيس؛ ورئيس القيادة المركزية الاسبق جون ابي زيد الذي انضم لطاقمه عقب انتهاء خدمته العسكرية.
يتسم المعهد بميله الشديد لتأييد اجندة المحافظين الجدد، لا سيما في مجال السياسة الخارجية الاميركية؛ وخرج من صفوفه الاكاديمي العربي السابق فؤاد عجمي، المستشار السابق لادارة الرئيس بوش.
الاطر العامة التي تحكم رؤى وفكر المعهد ضمنها في دراسة اصدرها عام 2015 بعنوان استراتيجية اميركية كبرى جديدة، شارك في اعدادها المرشح لمنصب وزير الدفاع جيمس ماتيس. البند الخاص بالشرق الاوسط اوضح ان “ما نحتاجه هيكلية أمن جديدة مبنية على سياسة صائبة، تلك التي تسمح لنا التصرف بملء ارادتنا في هذا القتال.” واضاف ان الاستراتيجية المقصودة ينبغي ان تنطلق من “نقطة اساسية تليها القضايا الاخرى، وهي هل يخدم الاسلام السياسي مصالحنا؟ ان كان الجواب بالنفي فما هي معالم سياستنا لدعم القوى المضادة؟ حلفاؤنا المنتشرين عبر العالم وفي الشرق الاوسط يهبون لمساعدتنا لكن سياستنا لم تعرف وضوحا في بعدها اين نقف في مساعي تعريف اوالتعامل مع تهديد الجهاديين الارهابي العنيف.”
في هذا السياق، سلط المعهد جهوده على التهديد المتخيل للبلاد نتيجة احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، واصدر احد مدراء وباحثي المعهد، دينيش دي سوزا، عام 2007 مخطوطته العدو الداخلي: اليسار الحضاري ومسؤوليته في 11/9، محملا ما اسماه شريحة الليبراليين مسؤولية انتعاش “غضب التشدد الاسلامي.”
ايران احتلت حيزا بارزا في الدراسة المذكورة باعتبارها “حالة خاصة ينبغي معالجتها كتهديد على الاستقرار الاقليمي، نوويا وغير ذلك.” وطالبت الكونغرس انزال عقوبات اضافية عليها “اثناء سير المفاوضات.”
كما خصص المعهد لايران مساحة اضافية لتقييد تمددها في “لبنان والعراق والبحرين واليمن والمملكة السعودية، ومناطق اخرى في المنطقة،” معتبرا ان جذورها تكمن في السياسات الاميركية الخاطئة.
وحذر باحث المعهد فيكتور هانسن الادارة الاميركية من “سوء تقدير حجم الانفصام بين اقطاب النظام الايراني، وينبغي التعامل معه “بالقوة وحدها.” وطالبت الدراسة الحكومة الاميركية الالتفات لتشكيل حلف مناهض موازي لايران عماده “مصر والسعودية ودولة الامارات وبقية دول مجلس التعاون الخليجي .. الذي باستطاعته دعم سياستنا شريطة ادراك اطرافه لاهداف سياستنا الخارجية بوضوح يتعدى مسألة برنامج ايران النووي.”
معهد ابحاث السياسة الخارجية
انشيء عام 1955 تحت رعاية جامعة بنسلفانيا ومقره في مدينة بيتسبيرغ بهدف “تنوير القادة السياسيين حول طبيعة الصراع طويل الاجل (الحرب الباردة) .. وآليات الفوز بها.” واضاف لاحقا الى مهماته “بلورة سياسات تتعهد بالحفاظ على المصالح الوطنية الاميركية،” لا سيما فيما يخص صعود الصين والتحولات داخل الدول الاسلامية.
من ابرز الشخصيات والكفاءات المرتبطة بالمعهد المؤرخ المعروف بيرنارد لويس، الذي يشغل منصب عضو في مجلس مستشاري المعهد، اضافة الى وزير الخارجية الاسبق الكسندر هيغ. وخرج من بين ثناياه لعالم السياسة المسؤول المالي السابق في البنتاغون، دوف زخايم، وآخرين من اقطاب الفكر المحافظ.
اصدارات المعهد تتسم بنظرة الجناح الواقعي في اليمين المحافظ. وجاء في تقريره السنوي لعام 2012 تحذير الساسة الاميركيين من الادانة الجماعية “.. ومن الخطأ التنبؤ بوجهة مسلك المعارضين الاسلاميين والارهابيين استنادا الى العقيدة الاسلامية وحدها او حتى الفكر الاسلامي بمفرده ..” بالمقابل، سعى المعهد لابراز التيار المحافظ بترويج مقولة ان “الحضارة الاميركية افضل من (الحضارة) الاسلامية.” وذهب الى اتهام تنظيم الاخوان المسلمين التمثل المباشر بالفكر النازي؛ مفضلا “نشوب حرب أهلية في مصر الآن عوضا عن الانتظار لحين تتوفر للاسلاميين اسلحة افضل وتهيئة واعداد مناسب.” (ادبيات المعهد منتصف تموز/يوليو 2012).
كما انتقد المعهد مبدأ “الاستثنائية” الاميركية بشدة عام 2012 محذرا في ادبياته من ذلك المفهوم الذي “يرافقه مزيد من المتاعب وربما حتى يشكل خطرا اكبر من عائداته” على السياسة الاميركية. اما الثابت في ادبيات واصدارات المعهد فهي الدراسات المذيلة بتوقيع ابرز الشخصيات المتطرفة: ريتشارد بيرل، جيمس وولسي، دانيال بايبس، فريدريك كيغان وآخرين.
الارضية السياسية والفكرية التي يجمع عليها اقطاب المعهد هي مسألة زيادة الانفاق العسكري، كما جاء في مقال لعضو مجلسه الاستشاري، فرانك هوفمان، عام 2012 حاثا فيه الادارة الاميركية الحفاظ على ميزانية لوزارة الدفاع يتجاوز سقفها 500 مليار دولار سنويا.
اتساقا بما سبق من استعراض، باستطاعة المرء تنبؤ توجهات المعهد المتشددة فيما يتعلق بقضايا الشرق الاوسط. وكان في قائمة الصدارة لسيل الانتقادات من فعالية المفاوضات النووية مع ايران؛ واستهداف ادارة الرئيس اوباما “لاحجامها عن التدخل العسكري في سوريا.”
في الشأن الداخلي الاميركي، انضم المعهد لجوقة المطالبين بتقليص حجم ونفوذ مجلس الأمن القومي الذي تضخم في عهد الرئيس اوباما لنحو 400 عنصر، واتهامه للمجلس بفقدان استراتيجة واضحة المعالم.
وناشد صناع القرار الاقتداء باداء “وكالة الأمن الوطني عند التحضير وتنسيق الجهود وتطبيق القرارات الرئاسية،” التي يفتقدها مجلس الأمن القومي، كما يقول المعهد. وطالب بدخول عناصر محدودة من ذوي الكفاءات الاستراتيجية على طاقم الأمن الوطني لتبوء مهام تحليل المعلومات وبلورة خيارات للرئيس للأخذ بها.
معهد واشنطن
تم انشاء المعهد من قبل “اللوبي الاسرائيلي – ايباك” للدفاع عن سياسات “اسرائيل” وحشد الدعم الرسمي الاميركي لها؛ ويعتبر من اهم اركان “اللوبي الاسرائيلي” في واشنطن وتيار المحافظين الجدد.
اصدارات وادبيات المعهد تركز على قضايا المنطقة العربية بشكل عام، والصراع العربي-الصهيوني بشكل خاص. واصدر عدد من الدراسات موجهة للرئيس دونالد ترامب وما يتعين عليه القيام به في شتى المجالات.
في المسألة السورية، يناشد المعهد الادارة المقبلة التسليم بما يعتبره حقائق راسخة، منها:
التسليم بأن سوريا اضحت مقسمة فعليا ويتعين انشاء مناطق آمنة في مناطق مختلفة تحت سيطرة قوى المعارضة وبمحاذاة الحدود التركية والاردنية للحد من تدفق اللاجئين للخارج، ومحاربة الارهاب. واضاف ان انشاء تركيا لمنطقة آمنة شمالي مدينة حلب، بمباركة من روسيا، تشكل فرصة جديدة لحماية السوريين واستخدامها كقاعدة انطلاق للاعمال العسكرية والسياسية لاقتلاع تنظيم داعش عل طول وادي الفرات. كما ان المناطق الكردية، في الشمال، والاخرى في جنوب سوريا تشكل خيارات اضافية.
التفاوض مع موسكو: ينبغي على ادارة ترامب امتحان مدى التزام روسيا بمكافحة الارهاب في سوريا، وتقييد نظام الاسد، والتوصل لتسوية سياسية قابلة للتطبيق؛ محورها اقامة عقبات بينة من اجل التعرف على نوايا موسكو.
احداث شرخ بين ايران وروسيا حول سوريا: ليس من اليقين مدى تطابق اهداف طهران وموسكو السياسية في سوريا؛ وينبغي على الولايات المتحدة التفاوض مع روسيا للتوصل الى تسوية مستدامة في سوريا من شأنها ابعاد حزب الله والميليشيات الشيعية الاخرى الموالية لايران عن سوريا؛ الأمر الذي يصب في تعهدات ادارة ترامب في التوصل لاتفاق افضل من الاتفاق النووي الحالي مع ايران، والحد من تمددها الاقليمي.
فيما يخص ايران، تجدر الاشارة الى خطاب المعهد المتشدد دوما في التعامل مع ايران داعيا الولايات المتحدة الى “افتعال ازمة معها مما يتطلب واشنطن اتخاذ خطوات عسكرية ضد ايران في حال فشل المفاوضات النووية.” واضاف مدير الابحاث في المعهد، باتريك كلاوسون، محذرا تردد الادارة الاميركية “.. في الحقيقة لن يلجأ الوفد الايراني لتقديم تنازلات، ومن الافضل ان يقدم طرف آخر لاشعال الحرب” معها – في اشارة واضحة الى “اسرائيل.” (ايلول / سبتمبر 2012).
خلاصة القول فيما يخص مراكز الفكر والابحاث المختلفة ان بعضا منها سيحظى بنفوذ واضح للتأثير على بلورة معالم سياسات ترامب المقبلة، على الرغم من ان اطباعه تشده الى انتقاء ما يناسبه في لحظة زمنية معينة، وغير ملزم بالتقيد في الابعاد الايديولوجية للارشادات والنصائح المقدمة.