الحملة الغربية ضد الإعلام الروسي
غالب قنديل
خلال الحملات الانتخابية الأميركية شنت هجمات منظمة من حزب الحرب الذي ساند هيلاري كلينتون ضد روسيا ووسائلها الإعلامية التي اتهمت بالتدخل لصالح المرشح دونالد ترامب في حين أن الوسائل الروسية المستهدفة كانت تواكب حدثا سياسيا اميركيا وعالميا بتقارير إخبارية رصينة وبنشر أخبار ومعلومات تتعرض للحجب في معظم الإعلام الغربي المنحاز مسبقا وهنا بيت القصيد أي كسر النمطية المعلبة في الإعلام الغربي والمكرسة لخدمة قوى مالية وسياسية ومجموعات ضغط نافذة ومؤثرة تتصل بمالكي الوسائل وبعيدا عن المثل والمباديء الافتراضية للديمقراطية ولحرية التعبير.
طبعا ومنذ عشرات السنين كان الإعلام الغربي دائما متدخلا في الشؤون الداخلية الروسية والصينية والإيرانية والسورية والفنزويلية والكوبية والنيكاراغوية والبرازيلية وسواها وفي كل شبر على سطح الكرة الأرضية وبالتالي فإن ذريعة رفض التدخل الإعلامي في شأن داخلي التي استعان بها البعض بدت باهتة وواهية وساقطة مسبقا ألسنا في قريتكم الكونية التي تهاوت معها الحدود ؟ إنها لعنة العولمة فكلوا من خبزكم الذي أطعمتموه للعالم كله بدافع الهيمنة والسيطرة فقد ظهرت أخيرا وسائل إعلامية تتحدث لغاتكم وتخاطب جمهوركم وتحسن إدارة اللعبة وتتفوق عليكم احيانا!.
بعد أيام من إعلان النتائج وفوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية اتخذ البرلمان الأوروبي توصية بالتصدي للإعلام الروسي من خلال فرض عقوبات على شركات إعلامية كقناة روسيا اليوم ووكالة سبوتنيك وسواها من وسائل الإعلام الروسية الناطقة بعدة لغات والتي توفر خيارا مختلفا للمشاهدين في العالم من خارج التعليب الأميركي للوقائع والمعطيات السياسية كأنما هو تدبير استباقي قبل الانتخابات الفرنسية والألمانية وربما البريطانية المقبلة ؟.
الحملة الغربية على الإعلام الروسي تعكس حالة من الذعر امام الانتشار والتجاوب الذي تحصده الوسائل المستهدفة في المجتمعات الغربية بعد نجاحها في التحول إلى منابر مهنية استطاعت تفكيك الكثير من الخرافات والمزاعم فهي تقدم تغطيات إخبارية مباشرة وموضوعية تثبت الوقائع صحتها وتفسح المجال للتعبير المتكافيء لتيارات ووجهات نظر متعددة في جميع الملفات والقضايا التي تتناولها ومن أهم ميزات الوسائل الروسية الدولية ذات الانتشار ابتعادها عن أساليب البروباغندا الأميركية والغربية والخليجية التي أسهم الخبراء الأميركيون والبريطانيون في تدريب اطقمها على وسائل الترويج والتشويه والشيطنة وتقنياتها التي استعملت على اوسع نطاق خلال السنوات الأخيرة لاسيما في العدوان المستمر على سورية.
يخشى حكام الدول الغربية من الإعلام الروسي المهني الذي فضح الكثير من التدخلات والحروب الاستعمارية التي يشنها الغرب في العالم وحيث تبث المعلومات والوقائع الصلبة عن الدعم الأميركي الأوروبي لعصابات الإرهاب والتكفير وتكرس مساحات التعبير الحر المتعدد الفاضحة للكثير من الطواطم الغربية وتوفر مادة إعلامية جاذبة في الوسائل الروسية باللغات الأجنبية .
خرافة الديمقراطية الغربية وحرية الإعلام في الغرب تتهاوى وتسقط في التجربة كما برهنت نتائج الانتخابات الأميركية فقد نظمت حملات مبرمجة لشيطنة مرشح رئاسي وتم منع ظهوره إعلاميا وتم تصنيع استطلاعات الرأي ونتائجها لتوجيه الناخبين إلى التصويت لمرشحة حزب الحرب وهكذا يتجه الغرب إلى التهديد والعقوبات في وجه الإعلام الروسي بدلا من المنافسة والصراع مما يثبت العجز عن المواجهة في مباراة حرة تحسمها الكفاءة المهنية نظريا وفقا للرواية الغربية الخادعة عن حرية الإعلام.
لقد استهدف الغرب خلال العقدين الأخيرين جميع وسائل الإعلام الحرة التي اتخذت خيارا ناقدا لمنظومة الهيمنة والحروب الغربية بقيادة الولايات المتحدة وهكذا تستمر العقوبات الأميركية والأوروبية على قناة المنار اللبنانية والقنوات الفضائية السورية وعدد من القنوات الإيرانية لأنها تصدت جميعا للتضليل الإعلامي وللتزوير وغيرهما من ادوات الحرب الإعلامية التي شكلت جزءا أساسيا من استراتيجيات الغزو والحروب الأميركية منذ تسعينيات القرن الماضي حيث تصدت وسائل الإعلام الحرة لبث الأكاذيب وفككت الروايات المفبركة عن حروب الولايات المتحدة وشركائها وعن غزواتها العسكرية ضد المنطقة العربية وتصدت لحروب إسرائيل الإجرامية ولحروب العدوان الأميركية الإسرائيلية بواسطة عصابات الإرهاب والتكفير .
تلك الوسائل الإعلامية التي حوصرت بالعقوبات خاطبت شعوب المنطقة بلغاتها وأحدثت فرقا في معادلات المجابهة وفرص المقاومة وقد استهدفت لذلك السبب لكن الإعلام الروسي نجح في إحداث التحول المنشود بمخاطبة الراي العام في الولايات المتحدة واوروبا ويكفيه إنجازا أنه اثار القلق من تغلغله وقدرته على التأثير لأنه يستند إلى الحقيقة بعيدا عن التلفيق الذي فضحته الأحداث ولملاحظة الفرق يكفي ان تكون إمبراطورية نعتت بالنزاهة الإعلامية لعقود مثل بي بي سي البريطانية قد اضطرت للاعتذار مرارا عن بثها لمواد مزورة حول سورية وهي قامت بذلك تنفيذا للأوامر الاستخباراتية البريطانية المكرسة للتغطية على عصابات الإرهاب ولاستهداف الدولة الوطنية السورية وشعبها وقواتها المسلحة.
تشتد الحاجة لقيام جبهة عالمية للإعلام الحر تنسق الجهود وتضم القدرات والإمكانات في التصدي لقوى الظلام والحروب والعدوان والتزوير الإعلامي التي تشهر سلاح التضييق على الحريات الإعلامية بالعقوبات وبالمنع وبالضغوط المالية والمصرفية والتقنية التي تستهدف تعميم قرارات الحظر عبر شركات الأقمار الصناعية بينما يمكن بالعمل المشترك وبالتعاون بين دول كروسيا والصين وإيران وسورية وغيرها من الدول الحرة المناوئة للهيمنة والحروب أن تحقق باتحادها فرقا كبيرا ومثال الوسائل الروسية ونجاحها يجب ان يكون حافزا لتحرك سريع يغير في المشهد الإعلامي العالمي جذريا.