بقلم ناصر قنديل

ليست حصصاً حكومية بل قانون الستين

ناصر قنديل            

– عندما حسم الرؤساء الثلاثة في اجتماع بعبدا بعد نهاية الاستشارات النيابية أن تكون الحكومة الجديدة حكومة وحدة وطنية وحكومة إنجاز سريع لقانون جديد للانتخابات النيابية تجري على أساسه الانتخابات المقبلة، حسموا ضمناً مجموعة من الأشياء دفعة واحدة، أولها أنّ مفهوم حكومة الوحدة الوطنية يعني على الأقلّ حكومة تضمّ جميع المكونات الممثلة على طاولة الحوار الوطني، تتولى تصفية ذيول مرحلة الانتخابات الرئاسية وما رافقها من تجاذبات، وتكون بذاتها نوعاً من المصالحة الوطنية، وتشرك الجميع في طبخة القانون الانتخابي الجديد لتشركهم بالتالي في الانتخابات بما لا يلقي عليها أيّ ظلال من الشك، يطعن بنتائجها، ودرجة التمثيل وصحته في المجلس النيابي الجديد، الذي سيتخذ بحكم خطاب القسم وشخص رئيس الجمهورية والآمال المعقودة على عهده، صفة المجلس التأسيسي.

– الأمر الثاني الذي حسم مع التفاهم على حكومة وحدة وطنية تنجز قانون الانتخاب الجديد وتجري الانتخابات في موعدها هو أن لا قانون الستين ولا التمديد للمجلس النيابي يقعان تحت سقف المقبول، فأحسنهما سيّئ، وإذا كان التمديد للمجلس النيابي وفقاً لأدبيات رئيس الجمهورية، إفقاداً لشرعية المجلس ونقيصة دستورية، استدعت منه لجوء نوابه مع كلّ تمديد إلى الطعن بدستوريته، ووفقاً لرئيس المجلس النيابي من المحرّمات التي لم يعد ممكناً ارتكابها بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وبعد إجراء الانتخابات البلدية، فيصير البديل الوحيد لإنجاز قانون جديد لإجراء الانتخابات النيابية على أساسه، هو العودة لقانون الستين، وهو القانون الذي يعني بقاؤه إعادة إنتاج النظام السياسي بتركيبته الراهنة، وإسقاط أكبر أحلام التغيير المعقودة على العهد الجديد، الذي لن يتمكن بعد أربع سنوات، وعهده يشارف على النهاية، من فرض الذهاب لقانون جديد عصري يعتمد النسبية كما هو مفهوم العصري والحديث والذي يضمن صحة التمثيل وتوزانه في كلّ أدبيات الإصلاحيين، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية، بعدما يكون قد شرع السير بقانون الستين في مطلع العهد واستنفد الزخم الذي يبدأ به كلّ عهد جديد بخيبة قاتلة.

– الطريق لقانون يعتمد النسبية سهل وقصير عندما تبصر الحكومة النور، فالنقاشات بين الأطراف المعنية والفاعلة طوال سنتين أوصلتها لامتلاك تصوّر تفصيلي عن ماهية التقسيمات الإدارية التي ستعتمد النسبية على أساسها، والمعنيّ الرئيسي هنا هو الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، لأنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري متفقان على السير بالنسبية في لبنان دائرة انتخابية واحدة أو بالنسبية وفقاً لدوائر تعتمد المحافظات الخمسة، وكذلك في مشروع الدوائر الثلاثة عشر الذي تقدّمت به حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، والرئيسان منفتحان على أيّ تقسيم للدوائر التي يعتمد النظام النسبي ضمنها، وصولاً للاستعداد كحدّ أدنى للقبول بالانتخابات وفقاً لقانون مختلط إذا أصرّ رئيس الحكومة على ذلك، تسهيلاً منهما للتوافق والإسراع بتظهير القانون، والسير نحو الانتخابات في موعدها.

– بين المتضرّرين من النسبية، والراغبين بالبقاء على قانون الستين، ينحصر الساعون لتعطيل ولادة سريعة للحكومة، لأنه ليس سهلاً على أحد الوقوف علناً ضدّ مبدأ إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وفقاً لقانون جديد، بعدما ضمّنه رئيس الجمهورية في خطاب القسم، فمن يخشى النسبية ومن يريد قانون الستين، ويبلغ الأمر عنده حداً مصيرياً يستحق أن يعطل حكومة وحدة وطنية معلومة فاتورتها بتمثيل قوى وقيادات هيئة الحوار الوطني في الحكومة الجديدة، ربما يشكل مفهومها ومضمونها سبباً إضافياً للسعي إلى تفاديها، والسير نحو شروط تعطل ولادتها، فيضمن الذهاب للانتخابات وفقاً لقانون الستين، وتصير بعدها المعادلة، حكومة أغلبية نيابية طلباً طبيعياً في نظام ديمقراطي، أو حكومة الكتل النيابية الكبرى وفقاً لأحجام التمثيل؟

– مع الرئيسين عون وبري يقف حزب الله حكماً في صف الدّاعين إلى قانون جديد يعتمد النسبية كلياً، وينفتح على مناقشة النظام المختلط كأهون الشرور، وتفضي أيّ مناقشة للوضعية الجديدة لكلّ من الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط إلى رؤية مصلحتهما بالسير بقانون يعتمد النسبية، فالتحالف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية انتخابيا، سيشكل القاعدة الجديدة الحاكمة للانتخابات المبلة إذا جرى اعتماد قانون الستين، وسيكون منطقياً بالنسبة للنائب جنبلاط قراءة المشهد في أقضية جبل لبنان الجنوبي، عل خلفية هذا التحالف من جهة، وعجز الرئيس سعد الحريري وحزب الله عن مشاركته حلفاً مناوئاً لحلف فيه رئيس الجمهورية وتياره، وبالتالي مسايرته بحفظ مقاعد طائفته الحالية حصراً ومجموعها ثلاثة فقط، بصورة تجعله أضعف من حالته الراهنة إلى حدّ النصف، بينما يضمن له قانون على أساس النسبية تمثيلاً يقارب نصف نواب جبل لبنان الجنوبي، دون تحالفات، وهو ما يعني وزناً يحفظ له مع ما سيحصل عليه من مقاعد خارج جبل لبنان، وزنه الحالي تقريباً.

– يعلم الرئيس سعد الحريري أنّ السير بقانون الستين في ظلّ تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية انتخابياً، وهو أهمّ ما في التفاهم بين الطرفين، سيعني خسارة تمثيل تيار المستقبل في نصف مقاعد بيروت، وخسارة مشابهة في عكار وزحلة لحدود تمثيل طائفته حصراً، وفي اي دائرة مختلطة طائفياً سيكون على الحريري أن يرتضي تمثيلاً يحصره بطائفته، التي سيكون معرّضاً لخسارة مقاعدها في طرابلس كلياً في ظلّ وضعها الراهن إذا اعتمد النظام الأكثري، بينما يوفر له التمثيل النسبي، فرص تمثيل تياره في كلّ الدوائر بأفضل مما سيوفره له قانون الستين، خصوصاً أنه حيث يمكن له الذهاب إلى تحالفات تواجه تحالف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية سيكون مضطراً للتنسيق بصيغة تقاسم المقاعد بصيغة لائحة واحدة، أو لائحتين تتركان مقاعد شاغرة الواحدة للأخرى.

– ثمة جهة واحدة تشعر أنّ بيدها بيضة ذهبية، يمثلها قانون الستين إذا أتيح إجراء الانتخابات على أساسه، بعد التحالف بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وهي القوات، حيث تطمح القوات في بيروت والمتن وزحلة وعكار والبترون والكورة وزغرتا، وفي كلّ موقع لا يكون حجمها المضاف بقوة التحالف مع التيار الوطني الحر، وبقوة ما يمنحه زخم الرئاسة لهذا التحالف، مساساً بحجم تمثيل التيار الوطني الحر، لترفع حجمها النيابي إلى ضعف حجمها الحالي، وحيث سيكون طبيعياً أنّ التيار سيفقد فرصة توظيف الزخم الرئاسي في توسيع قاعدته النيابية مقيّداً بهذا التحالف من جهة، وبحرمانه مما توفره له النسبية من فرص من جهة مقابلة، وبعد الانتخابات سيكون سهلاً على القوات القول بحكومة تمثل الأحجام، ولو كان ثمن السير للانتخابات بقانون الستين تعطيل حكومة العهد الأولى، وإصابته في الصميم، كيف وأنّ ثمن إقلاع الحكومة هو تمثيل أطراف تسعى القوات لشطبها انتخابياً، مثل تيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الكتائب، وما عليها لفعل ذلك سوى تعطيل تمثيل هذه القوى في الحكومة الجديدة، وهي تعلم أنّ النتيجة تعطيل ولادة الحكومة، والمراوحة وصولاً لانتخابات تجري وفقاً لقانون الستين.

– القوات تسعى، وغيرها يسعى، والقوات تحسب وغيرها يحسب، وهي تعرف مصلحتها وغيرها يعرف مصلحته، واللعبة صارت مكشوفة، السعي لحكومة تنسف مفهوم حكومة الوحدة الوطنية باستبعاد مكونات طاولة الحوار الوطني عنها، وربط المشاركة بحصر التمثيل الوزاري في الساحة التي تعنيها طائفياً بثنائية تتقاسمها حصراً مع التيار الوطني الحر، تمهيداً واطمئناناً لانتخابات تجري على ذات الطريقة، وعندها لا مانع بالنظام المختلط الذي يضمن بحسابات دقيقة ترحيل مقاعد الخصوم على النظام الأكثري، وتوظيف الثقل الطائفي في الدوائر المختلطة باستثمار ميزات النظام النسبي.

– وضع اليوم شبيه بوضع مشاركة القوات في حكومات ما بعد الطائف، ومن يتذكّر تلك المرحلة يتذكّر مفاوضات طويلة، أفضت لتسمية تمثيل للقوات رفضته، وآخر قبلته، ويخشى أن يكون القديم لا يزال على قدمه.

– بمستطاع رئيسي الجمهورية والحكومة فحص هذا السيناريو ببساطة للتحقق من النوايا الحقيقية تجاه العهد، وتجاه قانون الانتخابات والانتخابات.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى