نعم.. انها “مؤامرة” في سورية نبيل نايلي
“من ضمن خطتنا في المنطقة لابد أن نجد إسطبلا من الإعلاميين العرب يُشبه سفينة نوح: الأحصنة في هذا الإسطبل، وظيفتهم أن يقولوا دائما إن سوريا وإيران هما المشكلة، أما الحمير فهم من يصدّقوننا بأننا نريد الديمقراطية، أما حضيرة الخنازير الذين يقتاتون على فضلاتنا فمهمّتهم كلّما أعددنا مؤامرة أن يقولوا أين هي المؤامرة؟” ديفيد وارمزر، David Wurmser، المستشار والمسؤول عن قسم الشرق الأوسط في فريق ديك تشيني، Dick Cheny.
يعود تاريخ “نحت” مُصطلح “نظرية المؤامرة، Conspiracy Theory” وتسريبه ليُعتمد في خطاب العامة إلى سنة 1964 حين قرّرت الوكالة المركزية للإستخبارات الأمريكية، السي آي ايه، CIA، تسفيه وإزالة المصداقية عن الكثير من أولئك الذين شكّكوا في نتائج ” لجنة وارن، the Warren Commission” التي خلُصت إلى أن الرئيس الأمريكي دون ف كينيدي، John F. Kennedy ، اغتاله مُسلّح يُدعى لي هارفاي اوسفالد، Lee Harvey Oswald، الذي قُتل بدوره وهو على ذمة رجال الشرطة الأمريكية.. قبل أن يتم استنطاقه!
وكالة الاستخبارات المركزية عمدت يومها إلى استخدام جيش جرّار من “الأصدقاء” و”المقرّبين” من الإعلاميين من إطلاق حملة من شأنها أن تجعل موضوع سخرية وتهكّم كل تقرير أو خبر أو مجرّد مساءلة لما توصلت إليه لجنة “وارن” ونشرته بخصوص عملية الاغتيال الأغرب في العالم.. تنفيذا ومنفّذا! حملة هي “من أنجح حملات البروباغاندا على مرّ العصور”! هكذا وصفها أستاذ العلوم السياسية، لانس دي هافن-سميث،Lance de Haven-Smith، صاحب الكتاب، الغني عن التعريف، الذي يحمل عنوان “نظرية المؤامرة في أمريكا، Conspiracy Theory in America”، اصدارات جامعة تكساس، University of Texas Press. كتاب من بين الكتب النادرة التي تفك ارتباط القارئ، وتقطع “حبل ذهنه السرّي” مع ما يعرف باسم “الرحم، The Matrix” التي تفرّخ كل آن وحين كائنات ثقافية “مُستنسخة،Cloned”! تردّد، صباح مساء، كالببغاوات ما تُحشى بها “عقولها” من معلومات وتحاليل ..وكأنها الحقائق المطلقة!
لانس دي-هافن استطاع أن يؤلّف كتابه مُعتمدا على النسخة الرسمية لمذكرة وكالة الإستخبارات المركزية رقم: 960-1035#، التي حصل عليها بفضل طلب استند إلى “قانون حرية المعلومات، Freedom of Information Act “! وثيقة كشفت ما كان يخطّط له رجال الوكالة المركزية، خُطّ عليها “للإتلاف حال عدم الحاجة إليها، Destroy when no longer needed”! إلاّ أنها نجت من ذلك، لسبب بيروقراطي أو لآخر، ونُشرت كمرجع بكتاب “نظرية المؤامرة في أمريكا”!
يروي أستاذ العلوم السياسية الأمريكي، في مؤلَّفِه، كيف استطاعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، CIA، أن تخلق في ذهن الجمهور أو العامة ما يُشبه “الإنعكاس الشرطي”، الذي يولّد -آليّا- معاداة وتحقيرا وشبهة في أولئك الذين يضعون الروايات الرسمية فقط موضع ريبة أو سؤال، وليس القول “الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه”!
نجاح الوكالة الباهر في تسفيه مجرّد التشكيك في ما تقوله الحكومة كان ولا يزال له الأثر الكبير في جعل أية محاولة تحقيق مستقلّة في ما يُعرف –بتكتم شديد- ب”جرائم الدولة ضد الديمقراطية، State Crimes Against Democracy”، والأمثلة متعدّدة لمن يريد أن يعرف! أمر على غاية من الصعوبة، بل والخطورة أحيانا!
بذهنية رأي عام “مُبرمجة” و”مُهندسة” للإستهتار والسخرية من هذه النوعية من كتب “المؤامرة”، حتى في حال أتلفت الحكومة أدلّة، أو تجاهلت إجراءات مقرّرة، أو أخّرت عن قصد تحقيقات، حتى يمكنها بعدها “تشكيل لجنة سياسية أو قضائية تضع بصمتها على الرواية الرسمية التي تريد، بالإخراج الذي تريد والحبكة التي تشاء وبردود الأفعال المبتغاة -محليا ودوليا-! يقول أستاذ العلوم السياسية دي هافن-سميث “في التعامل مع أحداث كاغتيال كينيدي والحادي عشر من سبتمبر، لا يقع اعتماد الإجراءات القانونية والتحقيقات القضائية المعتادة، بل يتم تكليف لجنة سياسية بذلك”! بحيث تتولىّ الحكومة التحكّم في الحدث منذ بدايته، بإعطاء رواية رسمية مُعدّة سلفا تُطلقها بمجرّد وقوعه.
دي هافن-سميث يذهب أبعد من ذلك ليعتبر أن الوكالة المركزية ووكالات استخبارات أخرى تشارك –مسبقا- في صياغة أحداث، لها علاقة بإرهاب الدولة، ما يتيح لها دائما أن يكون لها مقارباتها وتفاسيرها قبل أن تظهر أخرى على الساحة.
ترسانة من المنظمات والمؤسسات الإعلامية والاجتماعية والنفسية والأمنية والعسكرية ذات القدرة الضخمة، آلاف مراكز الدراسات والمكاتب بالإمكانات المتطوّرة والتقنية غير المتصورة، والموارد ذات الأرقام الفلكية، بجيش من الأخصائيين والبحّاثة وأساتذة الجامعات والدبلوماسيين والعسكريين يعدّون خطط السياسات الكبرى، وبرامج “تهيئة” الرأي العام واستراتيجيات الحفاظ على دفة القيادة وتحييد، أو على الأقل احتواء، القوى المنافسة.
إن نجاح وكالة المخابرات المركزية في السيطرة و”هندسة” تصوّر الرأي العام لما قد يعتبره “الآباء المؤسّسون”، أحداثا مشبوهة بتورّط الدولة ذاتها، مكّن هؤلاء الذين يحتلون مواقع في مُتقدّمة في السلطة، من الضلوع أو الأمر بالقيام بأعمال في خدمة أجندات خفية!
أ لم تخلق أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، التي تعامت عنها 15 وكالة استخبارات أمريكية، باراديغم “الحرب المستدامة،Perpetual War” ، و”إرهابا معولما” يصرّون على عدم تعريفه، ويصمّون آذاننا بإعلانهم محاربته، وهو المنتشر كالنار في هشيم هذا الوطن المتشظي، يرسم “خرائط دم، Blood Maps” الجنرال الأمريكي رالف بيترز، Ralph Peters ؟
يمكننا أن نستوعب قذف وتسفيه وتكذيب جهابذة التحليل السياسي عندنا وهذا الجيش من “خبراء” مختلف الميادين –حسب الطلب- والمستخفّين بالعقلية العربية “الغارقة” في التحليل التآمري للأحداث، إذا كان الحدث أو الخبر أو المعلومة محلّ شك وتحتمل قدرا من المساءلة والتمحيص، لكن أن يبلغ بعضهم حدّ التشكيك في معلومات مُوَثَّقَة -صوتا وصورة- ويمكن العودة متى شاء لمراجعتها –ليطمئن قلبه- فذلك، لعمري، أعلى درجات الإنكار، وحضيرة الخنازير التي قصدها المستشار ديفيد وارمزر.
ماذا عما كتبه الكاتب والباحث البروفيسور، المستشار العالمي للبترول، عبد الحي زلوم، نقلا عن خرّيج جامعة هارفارد، والأستاذ في جامعة جورج تاون، كارول كويغلي، Carroll Quigle، وصاحب كتاب “الكارثة والأمل، Tragedy and Hope” أن “سيسيل جون رودس، Cecil John Rhodes” قد أسّس جمعية سرّية -منذ سنة 1881- تم تسميتها “جمعية المختارين، Society of the Elect”، بهيكلية هرمية بالغة التعقيد ربما استوحاها من الماسونية، على رأسها، اللورد روتشيلد؟!
ماذا عن حوار الصحافي الموثّق بأرشيف صحيفة صحيفة “لونوفال اوبسارفاتوار، Le Nouvel Observateur” الفـرنسية، الذي أجراه معه الصحفي فانسون جوفار، Vincent Jauvert، بخصوص تنظيم القاعدة وما يسمّى هذه الأيام بمشتقات مختلفة “الراديكالية الإسلامية” وخطر “الإرهاب المعولم” على العالم مع عرّاب بعبع “الإسلام الراديكالي”، مستــشار كارتر للأمن القومي، زبيغنيو بريجنسكي،Zbigniew Brzeziński، الذي ردّ يومها ببرود قائلا: “أية حماقة هذه! ليس هناك إسلام عالمي مُوحّد… أيّهما أهم بنظر التاريخ: حركة طالبان؟ أم نهاية الإتحاد السوفييتي واختفاء الإمبراطورية السوفييتية؟ حفنة من “المتشنّجين الإسلاميين”-صنيعتنا يقصد- أم تحرير أوروبا ونهاية الحرب الباردة؟”؟؟
ماذا عن كتاب “عوالم وكالة الإستخبارات المركزية الجديدة، 2030″، تستشرف فيه عوالم “هندستها” الوكالة، وخطتها في تقريرها الصادر سنة 2012 –سنة أو سنتين قبل ظهور تنظيم داعش- والذي عنونه استراتيجيوها ب”الاتجاهات العالمية عام 2030، عوالم جديدة Global Trends 2030:Alternatives World National Intelligence Council”، رسموا فيه لوحة قاتمة ما دام “الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا، وسيكون في غاية الفوضى، وما “دام الشرق الأوسط لن يتمكن من إيجاد تعاون إقليمي يمكّنه من معالجة القضايا الأمنية حتى عام 2030″؟؟
ماذا عما كشفه القائد الأمريكي السابق لقوات حلف الناتو، الجنرال ويسلي كلارك، Gen. Wesley Clark، منذ 2007، في مقابلته مع مع ايمي غودمان، Amy Goodman ، بخصوص نية إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش التي سيطر عليها المحافظون الجدد قررت بعد أحداث سبتمبر احتلال 7 دول في غضون 5 سنوات بدءاً من -العراق و سوريا ثم لبنان و ليبيا و الصومال ثم السودان و إيران-، مُؤكّدا أن تلك الاستراتيجية التي تسير وفقها الولايات المتحدة من شأنها أن تحكم سيطرة واشنطن و الغرب علي موارد البترول و الغاز في المنطقة برمّتها؟ ماذا عن مقطع فيديو شهير تظهر فيه وزيرة الخارجية الأمريكية، ومرشحة الرئاسة، هيلاري كلينتون، في جلسة استماع و هي تُقرّ بدعم واشنطن للقاعدة في أفغانستان، و هي المنظمة الإرهابية التي كان يحلو لإدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان وصف أعضائها بأنهم “مقاتلو من أجل الحرية”؟
ماذا عن تصريحات وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، رولان ديما، Roland Dumas، لقناة آل سي دي، lcd، الفرنسية، بخصصوص سوريا وما يحدث لها، جاء فيها: ” قبل سنتين كنت في بريطانيا في مهمة أخرى وليس من أجل سوريا والتقيت مسؤولين بريطانيين أعلموني أن شيئا مّا سيحدث في سوريا… بريطانيا كانت تـُـحَضّر لاقتحام سوريا وسألوني عما كنت، كوزير خارجية، سأشارك في العملية. أقول كلّ هذا لأشير لكم بأن كلّ العملية تمّ التخطيط لها منذ زمن بعيد”؟!
أ لم تكن “أجندة الهيمنة الصهيو-أمريكية على عالم القطب الأوحد، المطلقة، مُعدَّة ومكتوبة بتفاصيلها الدقيقة، من قبل التجمّع الفكري -think tank- المعروف بإسم “مشروع القرن الأمريكي الجديد، Project for the New American Century”؟
هل اطّلع هؤلاء الذين يُردّدون صباح مساء، جلوسا وقعودا وعلى جنوبهم، على وثيقة وضعها سنة 1974، عرّاب الإستراتيجيات الأمريكية، حين كان مستشارا للأمن القومي، هنري كيسنجر، Henry Kissinger، ووجه منها نسخا إلى وزير الدفاع ووزير الزراعة ومدير الاستخبارات المركزية، ووكيل وزارة الخارجية، آنذاك، مع ملاحظة شديدة الوضوح، مفدها: “لا تُرفع السرية عن هذه الوثيقة إلاّ من قبل البيت الأبيض!”وثيقة وُضعت بتوجيه من الرئيس الأمريكي جيرالد فورد، Gerald Ford، ترسم بدم بارد “خطة لتعقيم وقطع دابر نسل نساء 13 دولة في العالم، من بينها مصر، وذلك في مهلة لا تتجاوز ال25 سنة”!!
قديمة؟ ما رأيكم بمن سُمّي ب”الإمبراطور الحاكم بأمره في قضايا العلم والتكنولوجيا في إدارة أوباما، هذا الذي يأتمنه صاحب نوبل للسلام على سياسة الإدارة العلمية والتكنولوجية، جون بول هولدرن، John Paul Holdren، الذي عيّنه على رأس أخطر 3 مناصب شملت إدارة مكتب السياسة العلمية والتكنولوجية في البيت الأبيض، والمساعد الخاص لقضايا العلم والتكنولوجيا والرئيس المشارك لمجلس المستشارين للعلم والتكنولوجيا؟ لهذا “المالتوس العصري” كتاب ألّفه بمعية كلّ من بول وآن إلريش، Paul and Anne Ehrlich، يبشّر فيه الإنسانية ب”عصر تفرض فيه الولايات المتحدة على شعوب الأرض “حزام عفة” إلكترونيا يُزرع تحت جلد كل ذكر وأنثى، ولا يُنزع إلا بإذن رسمي من “الأخ الأكبر”، وبمعالجة طعام هذه الشعوب وشرابها بعقاقير التعقيم!!!”
لمن يمارس فقدان الذاكرة الطوعي، من أبناء هذه الأمة، فلنذكّره، عساه يقنع: أ ليس دونالد رامسفيلد، Donald Rumsfeld، وليس غيره من عمد علنا إلى إنشاء ما سُمّي يومها ب”مكتب التأثير الإستراتيجي، Office of Strategic Influence”؟ مكتب مهمته “التضليل وهندسة الرأي العام، Fabrication of Consent، وبثّ المعلومات الخاطئة والدعاية لتشريع غزو العراق وتسويق حرب الولايات المتحدة المستدامة ضد “الإرهاب”؟ ثم قيل لنا إنّه أُغلق، في 2003 اثر كشف صحيفة النيويورك تايمز عن “حقيقة مهامه وأساليبه في التعامل مع الصحافة الدولية، وما أثاره ذلك من احتجاجات في أوساط معتدلة كثيرة!”! ولكن كل ذلك ما منع وزارة الدفاع ولا الإدارة الأمريكية من مواصلة نفس النهج، وبأساليب أكثر تعقيدا، منذ سفر التكوين الأول: الخداع محلّيا وعالميا! وما ذلك الذي كشفه صاحب موقع ويكيليكس، WikiLeaks، جوليان أسانج، Julian Paul Assange، من أخبار ووثائق وتسريبات أمنية واقتصادية وسياسية وعسكرية غاية في السرية والحساسية، كشفا كان منه أم توظيفا!! أو ما أماط عنه اللثام، محلّل المعلومات لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق، سي آي أي، ومسؤول النظم، أدوارد سناودن، Edward Snowden، بخصوص برنامج وكالة الأمن القومي الأمريكية،NSA، “بريزم، Prism” السرّي لمراقبة والتنصّت على الاتصالات والهواتف وتطبيقات المعلوماتية، بمساعدة كبرى الشركات الأشهر نفسها، مثل غوغل، وفيس بوك، وياهو، ومايكروسوفت وآبل وغيرها.. وما ذلك إلاّ الشجرة الجرداء تحجُب الغابة!
هل نقنع بقدر المخططات –المؤامرات- المحتوم، ونسلّم، لما يُحاك لنا، نُساق كالنعاج إلى المسالخ صاغرين، ولسان الحال يقول مادام لا قبل لنا بما خُطّط ولا حيلة ولا مناص فلنقنع بما كتبته أسفار مخطّطاتهم، ولنُعطّل ملكة الإدراك والتحليل، ما دام كلّه يُفسّر “تآمريا”؟! وليعفنا ذلك من مسؤولياتنا الجسام، ومن خطايانا الأفدح! لا …مطلقا! ما ذلك المقصد! فقط ليتوقّف “متساكنو إسطبل وارمزر” من “المثقفين العرب” عن تسفيه وثائق وتصريحات أو أحداث، هي المؤامرة عينها، مُوثّقة تكشف حجم ما تتعرّض له هذه الأمة، من أبنائها قبل أعدائها!
*باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.
رأي اليوم