بقلم غالب قنديل

الحرب المستمرة على العماد عون

غالب قنديل

أي مراجعة منطقية لمسار الأحداث السياسية في لبنان منذ عودته إلى لبنان عام 2005 تظهر ان خط الاستقطاب الحاسم في حركة القوى المكونة للنظام اللبناني هو منع العماد ميشال عون من تسييل رصيده الشعبي الكبير في التوازنات والمعادلات اللبنانية والعمل على النيل من ذلك الرصيد بشتى السبل وشيطنة زعامته وتياره السياسي والنيل من مصداقيته ومحاولة حشره في الزوايا وقد شكلت متلازمة الرعب من انتخاب العماد عون للرئاسة الأولى كلمة السر في الكثير من المحطات والمواقف بعدما كرس وزنه الشعبي بتكتل نيابي رئيسي وبشراكة في السلطة التنفيذية كانت في كل مرة أقل مما يمليه ذلك الوزن واقعيا في توزيع الأحجام والحقائب أسوة بالكتل الأخرى.

المحطة الأبرز في هذا المسار الذي يقوده تيار المستقبل وداعموه في الخارج والمتحالفون معه في الداخل كانت في رحاب الخديعة التركية القطرية الفرنسية التي اعقبت حرب تموز بإيحاء اميركي وتوجت باتفاق الدوحة الذي ارتكبت فيه قوى الثامن آذار وحليفها العماد عون خطيئتين كبيرتين:

         الخطيئة الأولى قبول انتخاب العماد ميشال سليمان ودفع العماد عون للتخلي عن حقه بالانتخاب رغم وجاهة وصلابة الحيثيات انطلاقا من منطق اتفاق الطائف نفسه الذي اكد عليه الجنرال مرارا لجهة اختيار الرؤساء من بين الأكثر تمثيلا في الصيغة الطائفية المستمرة للحكم وهو اراد بذلك تسهيلا للتسوية فقوبل باستمرار التواطؤ على تياره ودوره ومساهمته في صيغة الحكم .

         والخطيئة الثانية كانت في تخلي قوى الثامن من آذار والعماد عون معا عن فكرة اعتماد النظام النسبي في قانون الانتخاب وتكريس وصفة قانون الستين التي أعادت إنتاج التوازن البائس في البرلمان لصالح الهيمنة الحريرية ونظامها الاقتصادي الريعي المأزوم الذي جلب الكوراث وفي خلفية رفض النسبية حتى اليوم خشية مكبوتة من تبلور تيار إصلاحي عابر للطوائف يشكل التيار الوطني الحر حلقته المركزية .

بنتيجة استمرار الهجمات والمحاولات الهادفة لتطويقه وإضعافه دفع الجنرال وتياره الوطني بعيدا عن الخطاب الوطني الوحدوي التغييري الذي هو ميزته الحاسمة لصالح خطاب ” الحقوق المسيحية ” في اسوأ استدراج فرضه عليه النظام الطائفي وتحولت نقاشات الحكومة في شأن الوظائف العليا والجدالات السياسية في موضوع الرئاسة إلى محفز لتكريس الشعور باستهداف الشراكة المسيحية في الحكم من خلال اعتراض كل ما يقترحه او يطرحه العماد ميشال عون ونواب ووزراء التكتل في المؤسستين التشريعية والتنفيذية والعمل لمنعه من التحقق وكانت المفارقات تتراكم باستمرار في منتديات النظام بهدف تسعير التعارضات والحساسيات الطائفية التي يحتمي بها الفريق المهيمن على الحكم.

موضوع تعيين قائد الجيش شكل مفصلا مهما في هذا السياق عندما انهالت المدائح السخية لشخصية العميد شامل روكز ولمؤهلاته القيادية ومسيرته العسكرية وبالمقابل رفض اختياره قائدا للجيش بذريعة قرابته وقربه من العماد ميشال عون تكريسا لقاعدة “إلا الجنرال ” الذي تخشاه قوى طائفية ترفض شراكة متكافئة في صيغة الطائف كما ترفض الانتقال إلى آلية واضحة لتجاوز الطائفية السياسية من قلب تلك الصيغة وهو ما كرس شعورا مسيحيا متراكما بالغبن في غياب تيارات وطنية عابرة للطوائف جاهزة لملاقاة الجنرال في تطلعاته الإصلاحية وشد القبضات معا في حركة جادة للتغيير السياسي ومرة اخرى ظهر الاختراق اليتيم للخنادق في موقف حزب الله إلى جانب الجنرال في تجسيد لتحالف متين انطلق منذ التفاهم وتعمد في ملحمة انتصار تموز وقد كشف السيد نصرالله مؤخرا مذكرا جميع الشركاء والحلفاء ان ترشيح العماد عون للرئاسة هو قرار اتخذ وعلموا به ووافقوا عليه قبل 12 تموز 2006 .

تتحول الحملات على العماد ميشال عون إلى نوع من بث الكراهية المنظمة والإنكار الشامل لحقائق موضوعية صارخة يفرضها المنطق ففي جميع التعيينات تختار القوى الطائفية الشريكة في الحكم مرشحيها ويمنع على التيار الوطني الحر إيصال مرشحيه بألف ذريعة وذريعة ويقف الفيتو السعودي جهارا في طريق الجنرال إلى الرئاسة رغم تفاهم التيار والقوات التي حصدت نتاج تحالفها مع المستقبل كمية كبيرة من مظاهر التجاهل والفوقية في التعامل مع شريك مسيحي وثيق الارتباط بالغرب والمملكة السعودية وينتدب نفسه لهجمات لا تتوقف على سورية وحزب الله في خدمة محور المستقبل الإقليمي والدولي .

التعامل مع العماد ميشال عون يكشف حقيقة السعي لتأبيد صيغة حكم تخشى رئيسا قويا بوزنه الشعبي والنيابي وإصلاحيا منحازا لفكرة الدولة بعدما قامت على تقاسم المنافع بعد الطائف واورثت البلاد ازمات خطيرة وكثيرة تتجسد اليوم بما ولدته المحاصصة والخصخصة من خراب شامل أقل مظاهره طوفان المزابل والمجارير في البر والبحر وبما بلغته السلطة السياسية من عجز شامل في إدرة الشؤون السياسية والإدارية والاقتصادية وهذا النهج المؤسس على تهميش القوة الرئيسية الممثلة للمسيحيين في نصاب الشراكة الوطنية يدفع البلاد في متاهة خطيرة من الشلل والاحتقان الطائفي والعجز عن إنتاج الحلول والتسويات التي يقولون إنها يجب ان تنطلق من انتخاب رئيس والأصح انها يجب ان تنطلق من انتخاب هذا الرئيس الذي هو العماد ميشال عون .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى