الخرق الإعلامي في حرب تموز
غالب قنديل
في الذكرى العاشرة لحرب تموز تستحق التجربة الإعلامية معاينة ناقدة بعيدة عن هيصة المجاملات وطمس الخروقات المشينة المسكوت عنها بمفعول رجعي لتلفيق مشهد زائف عن وحدة وطنية لم تقم يوما حول المقاومة ومنظومة الدفاع الوطني التي نسجتها المقاومة مع الجيش اللبناني بدقة وإتقان كبيرين منذ إعادة بناء هذا الجيش بعد الحرب الأهلية بقيادة العماد إميل لحود الذي كان رئيسا للجمهورية في أيام العدوان الثلاثة والثلاثين يخوض مواجهة داخل مجلس الوزراء ضد قوة سياسية ضاغطة سعت لفرض الرضوخ للطلبات الأميركية التي حملت صياغة دبلوماسية لشروط العدو التي تغيرت بتبدل التوازنات التي فرضتها المقاومة في الميدان وقد بلغت تلك المواجهة اوجها وذروتها عندما حان الوقت لبحث قواعد عمل القوات الدولية التي انتدبت بموجب القرار 1701 بينما كان الرئيس نبيه بري يدير التفاوض الصعب مع كونداليسا رايس مفوضا من المقاومة وقائدها.
إعلاميا فرض الحدث نفسه في التغطيات التي تجندت لها المؤسسات التلفزيونية والإذاعية اللبنانية ولكن طريقة التعامل مع الحدث في غرف التحرير واولويات التغطية الخبرية ومضمون الأداء السياسي لوسائل الإعلام اللبنانية توزعت على ضفتي الانقسام السياسي لمالكي وسائل الإعلام بين خندقي 14 و8 آذار وهو ما انعكس بعد ذلك في جدل الانتصار الذي اعترف به العدو لحزب الله رسميا وانكره فريق لبناني واسع وبينما لعبت وسائل إعلامية وطنية دورا مهما في المعركة ضد العدو كانت وسائل اخرى منصات لخرق إعلامي خطير.
إن استرجاع تلك الأحداث ببعدها الإعلامي يشير بوضوح إلى ان قسما من الوسائل الإعلامية قام بفعل مقصود لتوهين المعنويات الوطنية في زمن الحرب وهو ردد كلمة السر السعودية التي اختصرتها مفردة المغامرة وقدم بناء عليها صورة للحرب بوصفها نزاعا بين حزب الله والدولة العبرية تفجر بمغامرة مزعومة وليست حربا عدوانية صهيونية تستهدف السيادة الوطنية اللبنانية والشعب اللبناني والقوات المسلحة اللبنانية والمقاومة التي كان لها شرف تحرير الأرض اللبنانية التي احتلها العدو لأكثر من ثمانية عشرعاما بدون قيد او شرط وردعت هذا العدو وقاتلت بشرف لتنتج في حصيلة الحرب معادلة متينة تحمي لبنان من الاستباحة الصهيونية المستمرة منذ عام 1948.
هذا الخلل الإعلامي لم يكن خطأ تقنيا عفويا بل كان تجسيدا لارتباطات محلية وخارجية وقد شاركت في رسمه وتنفيذه غرفة عوكر بناء لخطة جيفري فيلتمان التي كشف انها كلفت حكومة بلاده خمسمئة مليون دولار لتنظيم الحملات الإعلامية ضد حزب الله .
ليس صحيحا ان جميع إدارات وسائل الإعلام كانت شريكة في ملحمة الصمود والمقاومة خلال حرب تموز كما يدعي البعض اليوم مراهنا على ضعف الذاكرة بل إن جزءا كبيرا من الإعلام اللبناني خاض حملات تجييش إعلامي وسياسي لطعن المقاومة في ظهرها وحرض ضدها وحملها مسؤولية التدمير الصهيوني ونتائجه الاقتصادية والإنسانية متنكرا لبطولاتها خلال القتال المشرف الذي خاضته دفاعا عن لبنان وكان اختيار المتحدثين السياسيين في الحرب مبرمجا ومقصودا حيث ضجت بعض الاستديوهات التلفزيونية والإذاعية باستضافة شخصيات للتطاول على المقاومة بدلا من إعطاء الأولوية للتعبئة بروح الدفاع عن الوطن والتلاحم الشعبي ضد العدوان ومن اخطر محاور التوهين المعنوي مشاركة محطات لبنانية وإذاعية في ترويج الروايات الصهيونية خلال الحرب وفي محاولة تأليب النازحين ضد المقاومة والإلحاح عليهم رغم فشل المراسلين المبرمجين في انتزاع الكلام المعادي والسلبي بحق حزب الله بل وبلغ الأمر احيانا مساهمات مفضوحة في كشف ظهر المقاومة للعدو ببعض الكاميرات اللبنانية لتصحيح بنوك الأهداف.
ولكي تغطي انحيازها المسبق ضد المقاومة أهملت مجموعة من وسائل الإعلام اللبنانية عامدة حقائق كثيرة نشرت في دول اجنبية عن ملحمة صمود المقاومين وقتالهم وعن وجود خطة اميركية صهيونية مرسومة للحرب على لبنان منذ آذار 2006 في توقيت تردد انه الخريف وتم التفاهم عليه بين الإدارة الأميركية وإيهود اولمرت رئيس حكومة العدو خلال زيارته لواشنطن وقال بعض الخبراء الصهاينة والأميركيون إن عملية الأسر التي نفذتها المقاومة فرضت تعجيل شن حرب رسمت خططها في غرف العمليات وتم تحضير بنك أهدافها في واشنطن وتل أبيب وبلغت بعض الصياغات الخبرية اللبنانية حد عكس الصورة احيانا على الصعيد الأخلاقي والسياسي لمصلحة العدو.
من المتفق عليه ان محتوى الأداء الإعلامي اللبناني يفرضه المالكون منذ تقاسم التراخيص الشهير عام 1996 وان القوانين لا تطبق نتيجة الحمايات السياسية والمرجعية الناظمة مشلولة ومعطلة بقوة القرار السياسي للحكومات المتعاقبة وهذا ما جعل المجال واسعا امام اختراق المناعة الوطنية ضد العدو الصهيوني بذرائع شتى وبعض أصحاب الوسائل تذكروا ان الصهاينة معتدون مرة واحدة عندما توجهوا مطالبين السلطة بتعويضات مالية عن مواقع إرسال لبنانية دمرها طيران العدو في رسالة واضحة تجاهل البعض مضمونها السياسي ومغزاها ولم يبدلوا من لغة تحريضهم على حزب الله رغم استشهاد بعض موظفي مؤسساتهم بنيران العدو.
أيها السادة هي الحقيقة نقولها اليوم بكل صراحة فعواطف المراسلين والمحررين المنحازة لبلدهم وشعبهم ولمقاومتهم والتي ينطقون بها اليوم متذكرين فصول العدوان لم تكن حاضرة في تعليمات إداراتكم الناتجة عن تعليمات واموال وكانت تعمل ضمنا لصالح العدو من جبهتنا الداخلية وما أشبه اليوم بالبارحة في تعاملكم مع المقاومة ونضالها وتضحياتها لحماية لبنان من الإرهاب التكفيري.