المقاومة والنظام الطائفي
غالب قنديل
كتب الكثير وقيل الكثير عن العلل والأمراض التي جلبتها الطائفية إلى لبنان وهي كانت المنبت الفعلي لثقافة التبعية للغرب الاستعماري ولمنطق الاستسلام للكيان الصهيوني تحت شعار قوة لبنان في ضعفه منذ العام 1943 .
اولا شكلت الطائفية الوعاء السياسي الذي حول لبنان إلى وكر إقليمي للمخابرات الغربية والصهيونية وحين لاحت رياح التغيير الوطني الذي هز البنيان الطائفي للنظام اللبناني غير مرة كان العنف الأهلي وتعميم الاقتتال والمجازر الطائفية هو خط الدفاع عن قلة حاكمة تحتكر الثروة والسلطة وتحتمي بارتباطاتها بالغرب الاستعماري وبالحكومات الرجعية العربية وقد انتقلت ميليشياتها في حربي 1958 و1975 إلى الارتباط المباشر بالكيان الصهيوني وقدمت له جميع الخدمات الدموية والاستخباراتية التي طلبها في الداخل اللبناني وصولا إلى التمهيد لاحتلال العدو الصهيوني لمعظم الأراضي اللبنانية عام 1982 وفرض الولايات المتحدة لاتفاق الاستسلام الذي سمي اتفاق 17 أيار على خطى كمب ديفيد وقد شكل الاحتماء بالعصبيات الطائفية ستارا وذريعة لجميع عملاء الكيان الصهيوني في الداخل اللبناني .
ثانيا منذ اتفاق الطائف يحتمي خصوم المقاومة والتابعون للغرب الاستعماري ولحكومات الرجعية العربية بالعصبيات الطائفية والمذهبية التي كرستها صيغة الحكم منذ التسعينيات عبر التقاسم والخصخصة وبهيمنة الرأسمال الريعي المتوحش وقد استطاع الثقل النوعي للقوات السورية حتى العام 2005 ووزن الدور السياسي السوري الراعي لتوافقات اهل الحكم فرض الالتزام بسقف حماية المقاومة ومنع المس بالتلاحم بينها وبين الجيش وبعقيدة هذا الجيش القتالية وهو ما قاد إلى طرد الاحتلال الصهيوني من معظم المناطق المحتلة بفضل عزيمة المقاومة وقدراتها المتعاظمة تحت ذلك السقف الذي سعى المرتبطون بالغرب وبالنفوذ السعودي لإسقاطه وما يزالون يواصلون المحاولة منذ خروج القوات السورية وليس ادل على ذلك من تورطهم جميعا في الحرب على سورية وفي التآمر على حزب الله خلال حرب تموز وما بعدها إلى اليوم من خلال تسهيل جميع التدابير العدائية الأميركية والغربية والسعودية وتمريرها لخنق المقاومة التي تخشى الدولة العبرية وسندها الدائم الولايات المتحدة من تعاظم قدراتها.وينبغي القول إن انخراط الإدارة السورية في لبنان بحماية لعبة التقاسم والخصخصة ومشاركتها في ضرب وتحجيم القوى والزعامات الإصلاحية والراديكالية في نهجها القومي والوطني وفي تعطيل آليات الإصلاح الدستوري المتعلقة بتجاوز الصيغة الطائفية للحكم تحت ضغط شراكة تلك الإدارة مع القوى اللبنانية المهيمنة على الحكم … ذلك ما وضع الدور السوري تحت رحمة تلك القوى عند اول إشارة أميركية سعودية بالانقلاب على سورية الذي بلغ ذروته بتدبير اغتيال الرئيس رفيق الحريري لإخراج القوات السورية عنوة خلافا لاتفاق الطائف لكنه مسار انطلق فعليا مع الهروب الصهيوني الكبير من جنوب لبنان عام 2000 وخصوصا بعد احتلال العراق عام 2003 .
ثالثا بعد هزائم الحلف الاستعماري الصهيوني امام المقاومة تشن عليها حرب من نوع آخر فإضافة إلى الاستهداف المخابراتي المتواصل الذي يستخدم جميع الاختراقات المتاحة في المجتمع اللبناني وفي بعض منظومات الدولة اللبنانية ومؤسساتها وإضافة إلى التلويح الصهيوني المتواصل بالعدوان العسكري تنطلق خطط الحصار الأميركية السعودية الأطلسية وتجند لها سائر ادوات ما يعرف بالقوة الناعمة بينما السلطات اللبنانية مستسلمة تتجه لتنفيذ الطلبات وتسجيب للخطوات الصادرة من خارج الحدود دون اعتبار للسيادة التي تفرض حصرية تامة لمرجعية القوانين والمؤسسات الوطنية في ملفي الإعلام والمصارف اللذين يشكلان نطاق الضغوط والعقوبات الهادفة لخنق المقاومة واستنزافها .
هذه السلطة الخاضعة للخارج والمفرطة بالاستقلال الوطني وبالسيادة الوطنية هي نتاج النظام الطائفي والعصبيات التي يحتمي بها زعماء سياسيون ومعهم احزابهم وتكتلاتهم وهم يعطلون أي فكرة او بادرة سيادية لحماية المقاومة والدفاع عنها في وجه تدابير تفرضها المملكة السعودية والولايات المتحدة في خدمة الكيان الصهيوني … نعم إنه النظام الطائفي المستمر ورغم بلوغه درجة عالية من التعفن والتهتك والعجز ورغم كل ما تسبب به من كوارث اقتصادية واجتماعية وبيئية وما يثيره من فجور فضائحي غير مسبوق وهو يمدد لآليات استمراره برفض اعتماد قانون انتخاب جديد على أساس النسبية لأن قيادات هذا النظام تعرف مسبقا أن النتيجة لن تكون في مصلحتها وهي ترجح نشوء توازن سياسي جديد في السلطة التنفيذية لن يكون لصالح نهج التبعية والعمالة.
رابعا من غير ان نغفل الآثار والعراقيل الناتجة عن خنوع السلطات اللبنانية فبالتاكيد لا شيء يمس صلابة المقاومة وثباتها من تدابير الحلف الأميركي السعودي الصهيوني بفضل يقظتها وقدراتها وبفعل استنادها إلى حاضنتها الشعبية اللبنانية العابرة للطوائف والمناطق فهي قادرة بذلك على التصدي لأي تهديد مادي ام معنوي ولكن جميع القوى الوطنية الداعمة لهذه المقاومة المنشئة للسيادة الوطنية بفعل التحرير مدعوة لاعتبار التغيير السياسي والدستوري الذي ينهي صيغة الحكم المهترئة والذليلة والخانعة تعبيرا حيا عن الكفاح من اجل دولة تحمي السيادة الوطنية وتؤسس لدولة وطنية جديدة تحمل إرادة الاستقلال عبر التخلص من صيغة الحكم الطائفي وينبغي القول اليوم لجميع اللبنانيات واللبنانيين : من ملف النفايات إلى إعادة بناء الاقتصاد إلى حماية البيئة ومنع جميع أشكال النهب واللصوصية وصولا إلى التمسك بالمقاومة التي حررت ودافعت وتحمي لبنان … كل ذلك يمر بالتخلص من النظام الطائفي العفن والانتقال إلى دولة وطنية علمانية مقاومة ولا ينبغي التردد في المجاهرة بهذا الهدف وليبحث من يريد في آليات اتفاق الطائف التي تفتح الطريق إلى إنجازه وسيجد الكثير من البنود بالتأكيد.