عقيدة اوباما .. الحلقة الثالثة
جيفري غولدبرغ
ذي اتلانتك
…
تواصل وكالة أخبار الشرق الجديد نشر وثيقة عقيدة اوباما وحيث يعرض الكاتب جيفري غولدبرغ حصيلة حواراته مع الرئيس الأميركي وكبار معاونيه حول استراتيجية الإمبراطورية الأميركية وحروبها في المنطقة ومواجهتها لتحدي صعود القوى العالمية المنافسة .
يظهر اوباما في هذه الحلقة الأهمية التي يوليها لمحور آسيا والباسفيك وهو يعتبر التحدي الاقتصادي والمالي والاستراتيجي الذي يحتل الأولوية الأميركية هو التعامل مع هذه المنطقة والنجاح في استمالة دول ترغب في تحاشي ما يدعوه اوباما بالهيمنة الصينية ولذلك يتحدث الرئيس الأميركي عن التوجه لتوثيق العلاقات مع فيتنام والفلبين وبورما وغيرها من الدول التي تحوز فرص النمو الاقتصادي ولديها قلق استراتيجي مع تعاظم القوة الصينية .
الفكرة الثانية التي يوردها الرئيس الأميركي هي رفض المبالغة في الخطاب الأميركي حول مكافحة الإرهاب والتشدد في عدم التعميم باتهام المسلمين بالإرهاب دون تمييز حقيقة ان الاتجاه الإرهابي المتطرف ليس سوى شريحة رقيقة وهنا ينقل الكاتب عن اوباما قوله خلال حوار مع رئيس الوزراء الأسترالي إن السعودية مولت نشر الإسلام المتطرف الذي تلقنه معاهد ساهمت المملكة في إنشائها وتمويلها في جميع الدول الإسلامية كأندونيسيا وغيرها ويعتبر اوباما ان على المجتمعات الإسلامية إجراء إصلاحات دينية تتوافق مع العصر ويورد الكاتب ملاحظة نقلها عن لسان معاوني الرئيس : المشاركون في هجمات 11 أيلول لم يكونوا إيرانيين بل كانت غالبيتهم من السعوديين.
الفكرة الثالثة هي تبني اوباما لمبدأ دفع حكومات الخليج في طريق التسويات السياسية للحروب التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ويغذيها النزاع السعودي الإيراني وهو يعتبر ان احتواء الصراعات بعمل سياسي هو الأجدى في هذه المنطقة بدلا من انقسامات وحروب طويلة الأمد ويعترف الرئيس الأميركي باستحالة حسم الأمور عسكريا في سورية وبحقيقة تلقي الجماعات الإرهابية دعما من الحكومات الإقليمية المتورطة في الحرب.
الفكرة الرابعة يتناول فيها الرئيس الأميركي سياسته اتجاه فيتنام واميركا اللاتينية وخصوصا كوبا متحدثا عن تطور في العلاقات نتيجة أسلوب استبدال العصا بالدبلوماسية ووضع المخاطر والتهديدات في حجمها الواقعي بما يفتح أبواب مبادرات وشراكات سياسية أكثر جدوى من الخطب العدائية الرنانة .
في يوم أربعاء ممطر في منتصف نوفمبر, ظهر الرئيس أوباما على المسرح في قمة منتدى التعاون الإقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في مانيلا مع جاك ما, مؤسس شركة علي بابا الصينية للتجارة الإلكترونية, ومخترعة فليبينية في الواحد والثلاثين من عمرها تُدعى عائشة مايجينو. كانت القاعة مزدحمة بالمدراء التنفيذيين الآسيويين, ورواد الأعمال الأمريكيين, ومسؤولين حكوميين من جميع أنحاء المنطقة. أوباما, الذي قوبل بحرارة, ألقى في البداية كلمة غير رسمية من وراء منصة, ركز فيها بشكل رئيسي على خطر تغير المناخ.
لم يذكر أوباما الموضوع الذي كان يشغل معظم بقية العالم – هجمات داعش في باريس قبلها بخمسة أيام, والتي قتلت 130 شخصاً. كان أوباما قد وصل إلى مانيلا قبلها بيوم قادماً من قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في أنطاليا, تركيا. كانت هجمات باريس موضوعاً رئيسياً للحوار في أنطاليا, حيث عقد أوباما مؤتمراً صحفياً جدلياً حول هذا الموضوع.
كان الصحافيون المسافرون المعتمدون لدى البيت الأبيض يسألون بلا هوادة: “ألم يحن الوقت لكي تغير إستراتيجيتك؟” ثم أعقب هذا السؤال, “هل لي أن أطلب منك أن توجه كلمة لمنتقديك الذين يقولون أن إحجامك عن الدخول في حرب جديدة في الشرق الأوسط, وتفضيلك للدبلوماسية على إستخدام الجيش, يجعل الولايات المتحدة أكثر ضعفاً ويشجع أعداءنا؟” ثم جاء السؤال الأبدي من مراسل سي إن إن: “لا تؤاخذني على اللغة – لماذا لا يمكننا القضاء على هؤلاء الأوغاد؟” والذي أعقبه سؤال “هل تعتقد إنك حقاً تفهم هذا العدوبما يكفي لهزيمته وحماية أرض الوطن؟”
بينما انهمرت الأسئلة, أزداد إنزعاج أوباما تدريجياً. فقد شرح إستراتيجيته الخاصة بداعش بإسهاب, لكن المرة الوحيدة التي أظهر فيها شعوراً غير الإزدراء كانت عندما خاطب الجدل الناشئ حول سياسة الولايات المتحدة اتجاه قضية اللاجئين. حكام الولايات والمرشحون الرئاسيون الجمهوريون اتجهوا فجأة للمطالبة بمنع اللاجئين السوريين من دخول الولايات المتحدة بينما اقترح تيد كروز قبول السوريين المسيحيين فقط. كريس كريستي قال إن جميع اللاجئين, بما فيهم “الأيتام دون الخمس سنوات,” يجب منعهم من الدخول حتى يتم تفعيل إجراءات تدقيق مناسبة.
هذه اللغة أحبطت أوباما بشدة. فأخبر الصحافيين المجتمعين, “عندما أسمع الناس يقولون ربما يجب أن نسمح للمسيحيين فقط بالدخول, وليس المسلمين؛ عندما أسمع قادة سياسيين يقترحون إجراء إختبار ديني للشخص الذي يهرب من دولة مزقتها الحرب, هذا ليس أمريكياً. هذا ليس ما نحن عليه. نحن ليس لدينا إختبارات دينية لعواطفنا.”
طائرة سلاح الجو رقم واحد غادرت أنطاليا ووصلت بعدها بعشر ساعات إلى مانيلا. إنه الوقت الذي فهم فيه مستشارو الرئيس, بكلمات أحد المسئولين, أن “الجميع في أرض الوطن فقدوا عقلهم.” سوزان رايس, في محاولة لفهم سبب القلق المتزايد, بحثت في تلفاز الفندق عن قناة سي إن إن دون جدوى, ووجدت فقط بي بي سي وفوكس نيوز. وأخبرت مرافقيها في الرحلة أنها بدلت بين القناتين بحثاً عن السبب.
في وقت لاحق, سيقول الرئيس إنه أخفق في تقدير المخاوف التي يشعر بها الكثير من الأمريكيين حول إمكانية حدوث هجمات على غرار هجمات باريس داخل الولايات المتحدة. لكن المسافة الكبيرة, والجدول المحموم, وإنهاك تعب السفر الذي يحيط الرحلة الرئاسية حول العالم كانت عوامل سلبية . لكن اوباما لم يصدق ابداً أن الإرهاب يشكل تهديداً على أمريكا ينتاسب مع الخوف الذي يوّلده. حتى خلال العام 2014 عندما كان تنظيم داعش يُعدم الأسرى الأمريكيين في سوريا, كانت مشاعر الرئيس مضبوطة. فالري جارت, أقرب مستشاري أوباما, أخبرته أن الناس قلقون من أن تقوم الجماعة بنقل حملة قطع الرؤوس إلى أمريكا. فطمأنها, “إنهم لن يأتوا إلى هنا لكي يقطعوا رؤوسنا.” أوباما يُذكّر فريقه بصورة متكررة أن الإرهاب يحصد أرواحاً في أمريكا أقل بكثير من المسدسات, حوادث السيارات, والسقوط في أحواض الإستحمام. منذ عدة أعوام, عبّر لي عن إعجابه بـ”المرونة” الإسرائيلية في وجه الإرهاب المستمر, ومن الواضح أنه يرغب في أن يرى المرونة مكان الرعب في المجتمع الأمريكي. مع هذا, يخوض مستشارو أوباما معركة بائسة لصد أوباما عن وضع الإرهاب فيما يعتبره منظوره “الملائم”, خشية أن يبدو غير متأثر بمخاوف الشعب الأمريكي.
ينتشر الإحباط بين مستشاري أوباما ويتوسع إلى دوائر البنتاجون ووزارة الخارجية. جون كيري, مثلاً, يبدو قلقاً من داعش أكثر من الرئيس نفسه. مؤخراً, عندما سألت وزير الخارجية سؤالاً عاماً – هل مازال الشرق الأوسط مهماً للولايات المتحدة؟ – أجاب مُتحدثاُ عن داعش بالتحديد. لقد قال, “إنه تهديد لكل شخص في العالم,” إنها جماعة “ملتزمة بتدمير الشعوب في الغرب وفي الشرق الأوسط. تخيل ماذا سيحدث إذا لم نحاربهم, إذا لم نقود تحالفاً – كما نفعل, بالمناسبة. لكن إذا لم نفعل ذلك, كان من الممكن أن نرى حلفاءنا وأصدقاءنا يسقطون. كان من الممكن أن يحدث نزوح جماعي إلى أوروبا ويدمرها, ويُنهي المشروع الأوروبي, ويركض الجميع بحثاً عن مأوى ويتكرر مشهد الثلاثينيات مرة أخرى, مع تفشي القومية والفاشية والأمور الأخرى. بالطبع نحن لدينا اهتمام بالأمر, لدينا اهتمام بالغ.”
عندما ذكرت لكيري أن لغة الرئيس لا تتماشى مع لغته, قال, “الرئيس أوباما يرى هذا كله, لكنه لا يُضخم الأمور – إنه يعتقد إننا نسلك المسار الصحيح. لقد صعّد جهوده. لكنه لا يحاول أن يخلق هستيريا … أنا أظن أن الرئيس يميل دائماً إلى محاولة إبقاء الأمور في توازن ملائم. أنا أحترم ذلك.”
أوباما يضبط حواره عن الإرهاب لعدة أسباب: إنه يتبع أفكار سبوك, بطبيعته. وهو يؤمن بأن الكلمة التي تكون في غير موضعها, أو النظرة المرتعبة, أو الإدعاء الإطنابي الغير مدروس, قد تُلقي بالدولة في حالة رعب. إن نوع الرعب الذي يقلق منه أكثر شيء هو النوع الذي يُظهر نفسه في صورة كراهية المسلمين أو في صورة تحدي للإنفتاح الأمريكي وللنظام الدستوري.
الرئيس يُحبط أيضاً من أن الإرهاب يواصل غمر أجندته الأكبر, خاصة وإنه يتعلق بإعادة موازنة أولويات أمريكا العالمية. لسنوات, كان “محور آسيا” أولوية قصوى له. إنه يعتقد أن مستقبل أمريكا الإقتصادي يقع في آسيا, والتحدي الذي يفرضه صعود الصين يتطلب انتباهاً متواصلاً. منذ أيامه الأولى في المنصب, كان أوباما مُركزاً على إعادة بناء العلاقات التي كانت بالية في بعض الاوقات بين الولايات المتحدة وشركائها من حلف جنوب وشرق آسيا, وهو دائماً يتصيد الفرص لجذب دول آسيوية أخرى إلى المدار الأمريكي. لقد كان انفتاحه الكبير على بورما أحد هذه الفرص؛ فيتنام وكوكبة دول جنوب شرق آسيا الأخرى الخائفة من الهيمنة الصينية مثلت الفرص الأخرى.
في مانيلا, في قمة منتدى التعاون الإقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ, كان أوباما عازماً على إبقاء الحوار مُركزاً على هذه الأجندة, وليس على ما رآه التحدي القابل للإحتواء الذي تمثله داعش. أخبرني وزير دفاع أوباما, آشتون كارتر, من فترة ليست بعيدة أن أوباما أبقى تركيزه على آسيا في الوقت الذي واصلت صراعات سوريا والدول الشرق أوسطية الأخرى في الإشتعال. قال كارتر أن أوباما يعتقد أن آسيا “هي الجزء من العالم الذي يحمل الأهمية العظمى للمستقبل الأمريكي, وإنه لا يمكن لأي رئيس أن يرفع عينه عنها.” وأضاف, “إنه يسأل بثبات, حتى وسط كل ما يحدث, ’أين نحن من إعادة التوازن في آسيا- الهادئ؟ أين نحن من ناحية الموارد؟‘ لقد كان ثابتاً جداً في هذا الشأن, حتى في أوقات التوتر الذي ضرب الشرق الأوسط.”
بعد أن انتهى أوباما من عرضه حول تغير المناخ, إنضم إلى ما ومايجينو, اللذان جلسا في مقاعد قريبة, حيث كان أوباما يحّضر لمقابلتهما على طريقة مقدم برنامج حواري نهاري – في مسلك بدا وإنه يحفز موجة لحظية من دوار قلب الأوضاع وسط جمهور ليس معتاداً على مثل هذا السلوك من قادته. بدأ أوباما بسؤال ما عن تغير المناخ. ما, بصورة لا تثير الدهشة, اتفق مع أوباما على إنها قضية مهمة جداً. ثم اتجه أوباما إلى مايجينو. إن العمل في معمل في الجناح الغربي لم يكن سيُبدع شخصاً مُصمماً بخبرة لاستمالة حماس أوباما المفرط أكثر من مايجينو, المهندسة الشابة التي, بمساعدة أخيها, أخترعت مصباحاً يعمل بالمياه المالحة.
سألها أوباما, “لكي نوضح الأمر, عائشة, ببعض الماء المالح, الجهاز الذي ابتكرتيه يمكن أن يوفر ثماني ساعات من الإضاءة – هل أنا محق؟
– أجابت, “ثماني ساعات من الإضاءة”
– أوباما: “والمصباح بـ 20 دولار”
– مايجينو: “حوالي 20 دولار.”
قال أوباما, “أنا اعتقد أن عائشة مثال لما نراه في الكثير من الدول – رواد أعمال شباب يتوصلون إلى تقنيات هائلة, بنفس الطرق التي في أجزاء كبيرة من آسيا وأفريقيا, لم يتم تركيب خطوط الهواتف الأرضية القديمة,” لأن تلك المناطق قفزت مباشرة إلى الهواتف المحمولة. شجع أوباما جاك ما على تمويل أعمالها. قال أوباما, ضاحكاً, “بالمناسبة, لقد ربحت الكثير من الجوائز وحظيت بكثير من الإهتمام, بالتالي هي ليست مثل تلك الإعلانات الترويجية التي تطلبها, ولا ينجح الأمر.”
في اليوم التالي, على متن طائرة سلاح الجو واحد في الطريق إلى كوالالمبور, ذكرت لأوباما إنه بدا سعيداً لوجوده على المسرح مع ما ومايجينو, ثم ابتعدت عن آسيا, وسألته إذا كان هناك ما يجعله سعيداً بخصوص الشرق الأوسط.
قال, “في الوقت الحالي, لا أعتقد أن أي شخص قد يشعر بالرضا عن الوضع في الشرق الأوسط. لديك دول تفشل في توفير الإزدهار والفرص لشعوبها. لديك أيدولوجية عنيفة متطرفة, أو أيدولوجيات, والتي تُشحن من خلال وسائل التواصل الإجتماعي. لديك دول ليس بها تقاليد مدنية, لذلك عندما تبدأ الأنظمة الإستبدادية في الإهتراء, تكون المبادئ المنظمة الوحيدة طائفية.”
ثم واصل قوله, “قارن هذا بجنوب شرق آسيا, الذي مازال يواجه مشاكل كبيرة – الفقر المدقع, والفساد – لكنه ملئ بأشخاص نشطين وطموحين ومكافحين والذين يكافحون بشراسة كل يوم من أجل تأسيس شركات والحصول على التعليم والعثور على وظائف وبناء بنية تحتية. إن الإختلاف كبير جداً.”
في آسيا, وكذلك أيضاً في أمريكا اللاتينية وأفريقيا, يقول أوباما, إنه يرى شباباً يتلهفون على تحسين الذات, الحداثة, التعليم, والثروة المادية.يقول, “إنهم لا يفكرون كيف يقتلون الأمريكيين. ما يفكرون فيه هو كيف أحصل على تعليم أفضل؟ كيف أصنع شيئاً له قيمة؟“
ثم أبدى ملاحظة أدركت إنها كانت تمثل فهمه الكئيب العميق للشرق الأوسط اليوم – ليس نوع الفهم الذي قد يختار البيت الأبيض الذي مازال يميل لموضوعات الأمل والتغييرأن يروج له. قال أوباما, في إشارة للشباب الآسيوي, والأفريقي, والأمريكي اللاتيني, “إذا لم نتحدث إليهم لأن الشيء الوحيد الذي نفعله هو محاولة إكتشاف كيفية تدمير أو تطويق أو السيطرة على الأجزاء الخبيثة, العدمية, والعنيفة من الإنسانية, نحن نفوّت الفرصة.”
يجادل نقاد أوباما بإنه عاجز عن تطويق العدميين العنيفين للإسلام المتطرف لإنه لا يفهم التهديد. إنه يعارض كسر الإسلام المتطرف من خلال منشور “صدام الحضارات”الذي انتشر على يد العالم السياسي الراحل صامويل هنتنجتون. لكن هذا بسبب, كما يجادل هو ومستشاروه, إنه لا يريد تعظيم صفوف العدو.
قال جون برينون, مدير السي آي إيه, “إن الهدف ليس فرض نموذج هنتنجتون على هذا الصراع.”
تحدث كل من فرانسوا أولاند وديفيد كاميرون عن تهديد الإسلام المتطرف بمصطلحات هنتنجتون, وسمعت أن الرجلين يرغبان في أن يستخدم أوباما لغة مباشرة أكثر في التصدي للتهديد. عندما ذكرت ذلك لأوباما قال, “لقد استخدم أولاند وكاميرون عبارات, مثل الإسلام المتطرف, والتي لم نستخدمها بشكل منتظم كطريقتنا في إستهداف الإرهاب. لكنني لم أجري حواراً عندما يقولون, ’كيف يُعقل إنك لا تستخدم هذه العبارة بالطريقة التي تسمع الجمهوريين يقولونها؟‘” يقول أوباما إنه طلب من القادة المسلمين أن يفعلوا المزيد لكي يقضوا على تهديد الأصولية العنيفة. لقد أخبرني, “إن ما أعنيه واضح جداً, وهو إنه يوجد تفسير عدمي, متعصب, ومتطرف, وعنيف للإسلام من قبل فصيل– فصيل صغير – داخل المجتمع الإسلامي الذي يُعتبر عدونا, وهو من يجب دحره.”
ثم طرح تعقيباً بدا أكثر تماشياً مع لغة كاميرون وأولاند. فقال, “هناك حاجة للإسلام ككل من أجل تحدي ذلك التفسير للإسلام, من أجل عزله, ومن أجل خوض نقاش قوي داخل مجتمعهم حول كيف يعمل الإسلام كجزء من مجتمع عصري وسلمي.” لكنه أضاف, “أنا لا أستميل المسلمين المتسامحين السلميين للدخول في ذلك النقاش إذا لم أكن حساساً تجاه قلقهم من إنهم يتم وسمهم بشكل عام.”
في لقاءات خاصة مع قادة آخرين, قال أوباما إنه لن يكون هناك حل شامل للإرهاب الإسلامي حتى يوفق الإسلام نفسه مع الحداثة ويخوض بعض الإصلاحات التي غيرت المسيحية.
على الرغم من إنه جادل بأن صراعات الشرق الأوسط “تعود إلى آلاف السنين”, إلا إنه يعتقد أيضاً أن غضب المسلمين المكثف في السنوات الأخيرة شجعته دول تُعتبر صديقة للولايات المتحدة. في إجتماع خلال منتدى التعاون الإقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ مع مالكولم تورنبول, رئيس وزراء أستراليا الجديد, شرح أوباما كيف إنه راقب إندونيسيا وهي تتحول تدريجياً من الإسلام التوفيقي المرتاح إلى تفسير أكثر تشدداً وقسوة؛ لقد لاحظ ان أعدادا كبيرة من النساء الإندونيسيات أصبحن يرتدين الحجاب الآن.
سأل تورنبول, لماذا يحدث هذا؟
أجاب أوباما, لأن السعوديين وغيرهم من العرب الخليجيين أرسلوا الأموال, وأعداد كبيرة من الأئمة والمعلمين, إلى الدولة. أخبر أوباما تورنبول إنه في التسعينيات, موّل السعوديون بكثافة المدارس والندوات الوهابية, التي تُدرس المذهب المتشدد من الإسلام الذي تفضله العائلة الحاكمة السعودية. وقال, اليوم, الإسلام في إندونيسيا يشبه العرب في التوجه أكثر بكثير من الوقت الذي كنت أعيش فيه هناك.”
سأل تورنبول, “أليس السعوديون أصدقاءك؟”
ابتسم أوباما, وقال, “الأمر مُعقد.”
إن صبر أوباما على السعوديين كان دائماً محدوداً. في أول تعليق مهم يتعلق بالسياسة الخارجية, في خطابه في المسيرة المناهضة للحرب في شيكاغو عام 2002, قال, “هل تريد قتالاً, أيها الرئيس بوش؟ دعنا نقاتل لكي نتأكد من أن ما نُسميهم حلفاءنا في الشرق الأوسط – السعوديين والمصريين – يتوقفون عن إضطهاد شعوبهم, وقمع معارضيهم, والتساهل مع الفساد والظلم.”
في البيت الأبيض هذه الأيام, يسمع الشخص بين الحين والآخر مسؤولي مجلس الأمن القومي وهم يذّكرون الزائرين بوضوح أن الأغلبية العظمى من الخاطفين المتورطين في هجمات 9/11 لم يكونوا إيرانيين, بل كانوا سعوديين – وأوباما نفسه يندد بمعاداة المرأة التي تقرها الدولة السعودية, قائلاً سراً أن “الدولة لا يمكنها أن تعمل في العالم الحديث في الوقت الذي تقمع فيه نصف شعبها.” وفي إجتماعات مع قادة أجانب, قال أوباما, “يمكنك أن تقيس نجاح المجتمع بالطريقة التي يعامل بها المرأة.”
إن إحباطه من السعوديين يُفيد تحليله لسياسة القوة في الشرق الأوسط. فقد ذكرت له في إحدى المرات إنه أقل ترجيحاً من الرؤساء السابقين في الإنحياز بصورة بديهية إلى السعودية في نزاعها مع خصمها اللدود, إيران. لم يعترض على كلامي.
قال الرئيس, “إيران, التي منذ عام 1979 أصبحت عدواً للولايات المتحدة الأمريكية, واشتركت في رعاية الإرهاب, تهديداً حقيقياً على إسرائيل والكثير من حلفاءنا, وتشترك في جميع أنواع السلوك الهدام. ولم يكن رأيي مطلقاً إننا يجب أن نضرب بحلفائنا التقليديين – السعوديين – عرض الحائط من أجل إيران.”
لكنه واصل القول بأن السعوديين يحتاجون لـ”مشاركة” الشرق الأوسط مع أعدائهم الإيرانيين. قال, “إن المنافسة بين السعوديين والإيرانيين – والتي ساعدت في تغذية حروب الوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن – تتطلب أن نقول لأصدقائنا وللإيرانيين بإنهم في حاجة للعثور على طريقة فعالة لمشاركة الجوار وتأسيس نوع من السلام الفاتر. إن النهج الذي يقول لأصدقائنا ’أنتم على حق, إيران هي مصدر جميع المشاكل, ونحن سوف ندعمكم في التعامل مع إيران‘ سوف يعني أن هذه الصراعات الطائفية سوف تستمر في الإحتدام وشركاؤنا في الخليج, أصدقاؤنا التقليديين, لا يملكون القدرة لإطفاء النيران بمفردهم أو للفوز بصورة حاسمة بمفردهم, وسوف يعني إننا يجب علينا أن نبدأ في التدخل ونستخدم قوتنا العسكرية لتصفية الحسابات. وهذا لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة أو الشرق الأوسط.”
يعتقد أوباما أن واحدة من أكثر القوى المدمرة في الشرق الأوسط هي القبلية – وهي قوة لا يستطيع أي رئيس تحييدها. القبلية, التي ظهرت في الرجوع إلى الطائفة, المذهب, العشيرة, والقرية من قبِل المواطنين البائسين في الدول العاجزة, هي مصدر الكثير من مشاكل المسلمين في الشرق الأوسط, وهي مصدر آخر لهلاكه. أوباما يكن إحتراماً عميقاً للمرونة المدمرة للقبلية – جزء من مذكراته, أحلام من أبي, يتناول الطريقة التي ساعدت بها القبلية في كينيا ما بعد الإستعمار في تدمير حياة والده – وهو ما يساهم في تفسير لماذا هو كثير التدقيق فيما يتعلق بتجنب التورط في الصراعات القبلية.
لقد أخبرني, “إنه في جيناتي أن أتشكك في القبلية. أنا أفهم الباعث القبلي, وأقر بقوة الإنقسام القبلي. لقد كنت أبحر في الإنقسامات القبلية طوال حياتي. في النهاية, إنها مصدر الكثير من الأعمال المدمرة.”
بينما كنت مسافراً إلى كوالا لمبور مع الرئيس الأمريكي باراك اوباما، تذكرت تصريحا عابرا كان قد أدلى به مرة واحدة لي بشأن نقاش هوبز من أجل تشكيل حكومة قوية لمجابهة تحديات الطبيعة التي لا ترحم.
عندما ينظر أوباما إلى مساحات شاسعة من الشرق الأوسط، يتخذ من شعار هوبز “حرب الكل ضد الكل” منبراً فكرياً له، فقد قال أوباما “لدي اعتراف بأننا من يشعل فتيل الحرب في منطقة الشرق الأوسط”، لذا حاولت إعادة فتح هذه المحادثة بالتساؤل حول “فكرة هوبز التي تشير إلي أهمية التعاون حيث قال ينظم الناس أنفسهم في مجموعات لدرء أكبر مخاوفهم، ألا وهو الموت.”
استطاع كل من “بين رودس” و”جوشوا إيرنست”، المتحدثان باسم البيت الأبيض، اللذان كانا يجلسا على أريكة إلى جانب مكتب أوباما على متن الطائرة الرئاسية، إخفاء سخريتهم من سؤالي، ثم توقفت عن الحديث وقلت: “أراهن إن سألت ذلك في مؤتمر صحفي لكان زملائي قاموا بإلقائي للتو من الغرفة.”
قال أوباما: “سأكون حقاً بداخل المجموعة، رغم رفض الجميع.
قاطع رودس الحديث قائلاً: “لما لا نستطيع أن نقضي على الأوغاد؟” ذلك السؤال، الذي تم سؤاله للرئيس من قبل صحفي بشبكة سي إن إن في المؤتمر الصحفي بتركيا، قد أصبح موضوعاً للحديث الساخر أثناء الرحلة.
التفت إلى الرئيس قائلاً: “حسناً، لم لا نستطيع القضاء على الأوغاد؟”
تلقى اوباما السؤال الأول.
قال: “أنظر، أنا لست من الرأي القائل بأن الشر متجذر في البشر، أعتقد أن هناك الجيد أكثر من السيئ في الإنسانية. ويمكنك التأكد من خلال التمعن قليلا في التاريخ، أنا متفائل. أعتقد أنه بوجه عام قد أصبحت الإنسانية أقل عنفاً، وأكثر تسامحاً، أكثر صحة، تتغذى أفضل، أكثر تعاطفاً، أكثر قدرة على إيجاد الاختلاف. لكنها لا تسير في درب واحد. وما قد أصبح واضحاً على مدار القرن العشرين والحادي والعشرين هو أن التقدم الذي نحرزه في النظام الاجتماعي وترويض دوافعنا الحقيرة وكبح مخاوفنا كل ذلك يمكن أن ينقلب رأسا على عقب سريعاً، حيث يبدأ النظام الاجتماعي في الانهيار إذا كان الشعب تحت وطأة شديدة. ثم يكون الوضع الافتراضي هو النظام القبلي لنا أو لهم، العداء تجاه غير المألوف أو المجهول.”
استطرد اوباما قائلاً: تري الآن في جميع أنحاء العالم أماكن كثيرة تعاني من ضغط شديد بسبب العولمة وصدام الثقافات الذي ولدته الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وبسبب الندرة التي سيكون بعض منها منسوبا إلى تغير المناخ على مدى العقود القليلة القادمة و بسبب النمو السكاني. ويعد الشرق الأوسط مسرحاً لكل هذه الأحداث فإن الوضع الافتراضي هو الحل الأمثل للكثيرين من خلال فرض تنظيم محكم في قبيلة وإبعاد أو محو أولئك المختلفين ، جماعة مثل داعش ، هي نتاج لكل هذه الأسباب التي ذكرتها من صدام ثقافات إلي نمو سكاني، جماعة داعش لديها فكرة واحدة مفادها “إننا جماعة صغيرة نسمح بقتل المعارضين لنا ونسعى لفرض عقيدة صارمة بلا أهداف”، ذلك حقاً مخالف للتقدم البشري وهذا دليل على مدى رسوخ هذا النوع من العقلية البشرية التي ما زالت تكسب أتباعا في القرن الـ21.”
سألته: “لذا تقديرك للسلطة القبلية يجعلك تريد البقاء بعيداً؟ أي عندما يقول الناس “لم لا نقضي على الأوغاد؟” تتراجع؟”
رد اوباما قائلا: “علينا تحديد أفضل الأدوات لترويض سلوكيات الأوغاد، ستكون هناك أوقات عصيبة ولكنها لا تمثل تهديدا مباشرا لنا وعلينا التوقف عن التردد في التعامل مع المواقف المختلفة لأننا ليست لدينا الأدوات لنكون ذوي تأثير كبير”.
سألت أوباما ما إن كان أرسل القوات البحرية إلى رواندا في عام 1994 لوقف الإبادة الجماعية التي كانت تحدث، لو كان رئيساً آنذاك؟.
قال: “بالنظر إلى السرعة التي تم فيها الاغتيال، والزمن الذي يستغرقه لتصل آليات الحكومة الأمريكية، أفهم السبب لما جعلنا لا نتصرف بالسرعة الكافية، الآن، يجب أن نتعلم من ذلك. أظن حقاً أن رواندا حالة اختبار مثيرة للاهتمام لأنها ممكنة و ليست مضمونة، تمثل الأحداث في رواندا الحالة التي يكون فيها التطبيق السريع للقوة كافياً.”
ربط اوباما هذا بسوريا قائلاً: ” من السهل أن تزعم بأن إرسال قوة صغيرة مدعومة دولياً إلي بلد بها أحداث فوضوية يمكن أن يؤدي إلي تجنب الإبادة الجماعية، وهو الأمر الذي لاقي نجاحاً في رواندا أكثر من سوريا في الوقت الراهن، لان الجماعات المقاتلة في سوريا مسلحة وتتسم بقوة المقاتلين وتزويدهم بالموارد اللازمة من قبل جهات فاعلة، ففي هذه الحالة يتطلب الأمر إرسال قوات اكبر بكثير.”
يزعم المسئولون بإدارة أوباما بأنه لديه منهج شامل لمكافحة الإرهاب: سلاح جوي لطائرات بدون طيار، غارات القوات الخاصة، وكالة مخابرات مركزية سرية بمساعدة جيش مكون من عشرة ألاف متمرد يحارب في سوريا. فلماذا يتعثر أوباما عندما يشرح للشعب الأمريكي أنه هو أيضاً يهتم بشأن الإرهاب؟ سألته إذا كان المؤتمر الصحفي التركي يمثل نقطة هامة لك كسياسي كي تخبر الجميع وتقول: نعم، أكره الأوغاد أيضاً، واعمل على طرد الأوغاد من الأراضي الأمريكية.
إن من أسهل الأشياء طمأنة الشعب الأمريكي بعبارات غير مباشرة، أنه سيقتل كل من يمثل تهديداً للأمريكان. هل يخشى اوباما من رد فعل غير محسوب في اتجاه غزو آخر للشرق الأوسط؟ أم أن حديث اوباما غير قابل للتعديل؟
أجاب “كل رئيس لديه مواطن قوة وضعف. ومما لا شك فيه أنه هناك أوقات حيث لم أكن فيها منتبها بشكل كاف إلى المشاعر والعواطف والسياسة لربط ما أقوله مع ما نفعله وكيف نقوم به.”
استطرد: “لكن بالنسبة لأمريكا لتكون ناجحة في قيادة العالم، أظن أنه علينا تجنب تبسيط الأمور ووضعها في نصابها الصحيح وعلينا بناء المرونة والتأكد من أن المناظرات السياسية الأمريكية ترتكز على الواقعية. وهذا لا يعني إنني لا أقدر قيمة وسائل الاتصال السياسي مثل وسائل الأعلام الأمريكية والساسة الأمريكان وكيف نتحدث عن هذه القضايا وهي منفصلة وكل قضية تحتاج إلي رد فعل معين، فكيف أقوم بتصريحات شديدة وعبارات رنانة في وسائل الإعلام من اجل إرضاء الآخرين ، بالنسبة لي هذا سوف يزيد الأمر سوءا.
ومع هبوط الطائرة الرئاسية باتجاه كوالا لمبور، أعرب الرئيس اوباما عن الجهود الناجحة بقيادة الولايات المتحدة في وقف وباء الإيبولا غرب إفريقيا كنموذج إيجابي لإدارة ثابتة، غير متسرعة في معالجة الأزمة المرعبة.
قال اوباما “خلال الشهرين اللذين فيهما كان الجميع متأكداً أن وباء الايبولا سيدمر الأرض و كانت هناك تغطية على مدار الساعة يومياً للإيبولا، إن كنت قد غذيت الرعب أو خلطت بأي طريقة ما بين الحقائق والاحتياجات وطريقة التعامل معها، أو بفرص الإصابة بالمرض، وبعض الحلول للقضاء عليه، فقد يقول الناس أنني أبالغ بشدة و لكن إشاعة الذعر عن طريق المبالغة في رد الفعل يمكن أن تغلق السفر ذهاباً وإياباً لثلاث دول إفريقية هي بالفعل فقيرة للغاية، أضاف: “لقد أضعنا كمية هائلة من الموارد في أنظمتنا للصحة العامة التي تحتاج إلى أن تُخصص لتطعيمات الأنفلونزا وغيرها من الأمور التي تقتل الناس فعلياً بأعداد كبيرة في أمريكا.”
هبطت الطائرة وكان الرئيس متكئاً على كرسي مكتبه خالعاً سترته وربطة عنقه مائلة قليلا ولكن لا يمكن ملاحظتها، على مدرج المطار، تمكنت من رؤية جزء كبير من القوات المسلحة الماليزية المتجمعة للترحيب به. حين واصل اوباما حديثه بدأ القلق ينتابني بشأن الجنود وكبار الشخصيات المنتظرين خشيت أن تصيبهم الحرارة بسوء. فقلت: “أظن أننا في ماليزيا، يبدو أننا خارج الطائرة.”
أعترف اوباما أن هذا صحيح، ولكن بدا على غير عجلة، لذلك ضغطت عليه حول رد فعله العلني عن الإرهاب: إن أظهر المزيد من الرعونة، ألن يهدئ ذلك الناس بدلاً من إغاظتهم؟
قال “لدي أصدقاء لديهم أطفال في باريس الآن، وأنا وأنتم و مجموعة كاملة من الناس الذين يكتبون عما حدث في باريس قد تجولوا في نفس الشوارع حيث قُتل الأبرياء. ومن الصحيح أن تشعر بالخوف. ومن المهم لنا ألا نصل أبداً للرضا الكامل عن النفس.” أضاف اوباما يوجد اختلاف بين اتخاذ قرارات مدروسة واتخاذ قرارات مندفعة وعاطفية. “هذا يعني، في الواقع، هل أنك تهتم كثيراً بالحصول على القرار الصائب وأنك لن تتساهل مع أي متهور، ام تهتم بالإجابات المصطنعة التي تبدو منمقة لكن لا تؤدي إلى نتائج. المخاطر عالية جداً جراء الخطابات الرنانة والقرارات الغير مدروسة لا تمثل داعش تهديداً للولايات المتحدة بل تغير المناخ هو التهديد المحتمل لوجود العالم بأسره إن لم نفعل شيئاً حياله.”
بهذا، وقف أوباما وقال: “حسناً، علينا الرحيل.” خرج من مكتبه ونزل الدرج، متجهاً إلى البساط الأحمر وحرس الشرف ومجموعة المسئولين الماليزيين المنتظرين لتحيته، ومن ثم ذهب إلى الليموزين المدرعة الخاصة به، طائراً إلى كوالا لمبور. وتعليقا على كثرة تنقله من طائرة إلي سيارة وغيرها قال في وقت مبكر من فترة ولايته الأولى، كان لا يزال غير معتاد على العملية العسكرية واسعة النطاق اللازمة لنقل الرئيس من مكان إلى آخر، حيث أشار بأسى إلى مساعديه، وقال “لدي أكبر قدر من إنبعاثات الكربون في العالم.
كانت المحطة الأولى للرئيس حدث آخر يهدف إلى تسليط الضوء على دوره في آسيا، وهو اجتماع مع الطلاب ورجال الأعمال المشاركين في إدارة مبادرة قادة شباب جنوب شرق آسيا. دخل أوباما قاعة المحاضرات بجامعة تايلور بتصفيق حاد ثم قدم بعض الكلمات الافتتاحية، ثم سحر الحضور بسلسلة من الأسئلة والإجابات الموسعة.
لكن نحن المراقبون من قسم الصحافة أصبحنا مشتتين نظرا لكثرة الأخبار القادمة عبر هواتفنا بشأن هجوم جهادي جديد في مالي. أوباما، المفتون بنشاط رجال الأعمال الآسيويين، ليست لديه فكرة عما حدث، فقط عندما دخل سيارته الليموزين مع سوزان رايس وصله الخبر.
سامنتا باور السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة (على اليسار) ووزير الخارجية جون كيري (في الوسط) يستمع حيث يتحدث أوباما عن وباء الإيبولا في سبتمبر عام 2014.
بعد ذاك المساء، زرت الرئيس في الجناح الخاص به بفندق ريتز كارلتون في وسط مدينة كوالا لمبور. تم إغلاق الشوارع المحيطة بالفندق. السيارات المصفحة حاوطت المبنى؛ امتلأ بهو الفندق بالقوات الخاصة. اتخذت المصعد لطابق مزدحم بعملاء الاستخبارات، الذين وجهوني إلى سلم ولكن المصعد إلى الطابق الذي به أوباما كان غير متاح لأسباب أمنية. لأكثر من رحلتين، إلى مدخل به المزيد من العملاء. أنتظر لحظة، ثم فتح أوباما الباب. كان جناحه المكون من طابقين غريب: ستائر ، أرائك متخمة. كان هائلاً ومنعزلاً ومثيرا للخوف معاً في نفس الوقت.
علقت على ما شاهدت، “انه مثل قلعة هيرست”.
قال أوباما “حسناً، إنه بعيد كل البعد عن فندق هامبتون في دي موين.”
كان التلفاز على قناة اي اس بي ان.
عندما جلسنا، لفت انتباه الرئيس إلى تحدي كبير لشخصه في آسيا. في وقت سابق من اليوم، في اللحظة التي كان يحاول أن يلهم مجموعة من رجال الأعمال الإندونيسيين الموهوبين والحريصين ومبتكري بورما، تم تشتيت الاهتمام عن طريق هجوم إرهابي للإسلاميين.
اقترح أحد الكتاب: “إنها على الأرجح طريقة سهلة جداً لبدء القصة،” مشيراً إلى هذا المقال.
قلت ربما، لكن هذا نوع من الحيل الرخيصة.
قال أوباما “إنه رخيص، لكنه ينجح، نحن نتحدث إلى هؤلاء الأطفال، وبعد ذلك يقع هذا الهجوم.”
الأحداث المنفصلة في هذا اليوم أثارت محادثة حول اثنين من الاجتماعات الأخيرة التي عقدها الرئيس الأمريكي اوباما، أحدهما أحدث جدلا دوليا كبيرا وتصدر عناوين الصحف، والآخر لم يحدث أي شيء. الاجتماع الذي لفت الكثير من الانتباه، اعتقدت أنه بالنهاية سيتم الحكم عليه بأنه بدون تأثير أو نتائج مرجوة، كان هذا الاجتماع هو القمة الخليجية التي عقدت في مايو من عام 2015 بكامب ديفيد، التي قصدت تهدئة حشد الزوار من الشيوخ والأمراء الذين استشعروا الخوف من الاتفاق الوشيك مع إيران.
وقع الاجتماع الآخر بعد شهرين من الاجتماع الأول، في المكتب البيضاوي، بين أوباما والأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي، نجوين فو ترونج. تم هذا الاجتماع فقط لأن جون كيري دفع البيت الأبيض إلى انتهاك البروتوكول المشترك عندما لم يكن الأمين العام هو رئيس الدولة. لكن الأهداف كانت خفية: أراد أوباما الضغط على الفيتناميين بشأن الشراكة مع دول المحيط الهادئ و سرعان ما انتزع مفاوضوه وعدا من الفيتناميين بأنهم سيضفون الشرعية على النقابات العمالية المستقلة وأراد اوباما تعميق التعاون بين أمريكا وفيتنام في القضايا الإستراتيجية حيث المح لي مسؤولون في الإدارة الأميركية مراراً أنه قريباً قد يكون هناك تواجد عسكري دائم للولايات المتحدة في فيتنام كضمانة ضد مصدر الفزع الأكبر للفيتناميين وهو الصين ، إن عودة القوات البحرية الأمريكية إلى خليج كام رانه سيعتبر كأحد أكثر التطورات في التاريخ الأمريكي الحديث. أخبرني أوباما “أننا فقط نقلنا الحزب الفيتنامي الشيوعي ليعترف بحقوق العمال بالطريقة التي لم نستطع فعلها أبداً بإرهابهم أو تخويفهم.” معتبرا ذلك انتصارا رئيسيا لحملته الهادفة لاستبدال التلويح بالعصا بالإقناع الدبلوماسي.
لاحظت أن قرابة 200 شابا من جنوب شرق آسيا متواجدون بالغرفة في وقت سابق من ذلك اليوم، بما في ذلك مواطنون من الدول الشيوعية، بدوا كأنهم يحبون أمريكا. قال أوباما “الفيتناميون يحبون أمريكا في الوقت الراهن بنسبة 80 بالمائة حسب ما ورد باستطلاعات الرأي. الشعبية النامية لأمريكا في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا تعني أننا “يمكننا القيام بأشياء مهمة كبيرة حقاً والتي بالمناسبة، سيكون لها تداعيات في جميع المجالات لاحقا، لأنه حين تنضم ماليزيا إلي الحملة المضادة لداعش، سيساعدنا ذلك في حشد الموارد والمصداقية في حربنا ضد الإرهاب. وحين يكون لدينا علاقات قوية مع إندونيسيا، ذلك سيساعدنا عندما نذهب إلى باريس ونحاول التفاوض في اتفاقية المناخ، ولكن محاولة إغواء روسيا أو بعض من هذه البلدان الأخرى قد يلقي بالاتفاق في طريق غير مفيد.”
أشار أوباما أيضا إلى زيادة نفوذ أمريكا في أمريكا اللاتينية قائلاً أنه تزايد نسبياً من خلال إزالته لحجر العثرة على مستوى المنطقة عندما أعاد بناء العلاقات مع كوبا كدليل أن منهجه المتروي المرتكز على الدبلوماسية في العلاقات الخارجية ينجح.
ضعفت حركة ألبا وهي مجموعة من حكومات أمريكا اللاتينية الموجهة نحو معاداة الولايات المتحدة بشكل ملحوظ خلال الفترة التي قضاها اوباما رئيساً للبلاد.
قال “عندما توليت المنصب، في القمة الأولى للأمريكتين التي حضرتها، كان هوجو تشافيز الديكتاتور الفنزويلي الأخير المناهض لأمريكا لا يزال شخصية مهيمنة في المحادثات، ولكننا اتخذنا قراراً إستراتيجياً جداً في وقت مبكر، مفاده بدلاً من إثارة المشكلة وتعميقها وضعها في حجمها الصحيح، حيث يجب أن نقول إننا لا نحب ما يجري في فنزويلا، لكنه لا يهدد الولايات المتحدة.”
قال أوباما ذلك لتحقيق إعادة التوازن بين البلدين، كان على الولايات المتحدة امتصاص الخطب اللاذعة والاهانات من كاسترو أشار أوباما “عندما رأيت تشافيز صافحته وقال لي نقدا ماركسيا حول علاقة الولايات المتحدة بأمريكا اللاتينية، واضطررت إلى الجلوس هناك والاستماع إلى أورتيجا” انه دانيل أورتيجا، رئيس نيكاراجوا اليساري المتطرف “أخذ يتبجح لمدة ساعة ضد الولايات المتحدة. لكن كوننا هناك وغير آخذين كل تلك الأشياء على محمل الجد لأنها لم تكن تهديدا حقيقيا لنا”، كل هذا ساعد على تقلص العداء للولايات المتحدة في المنطقة.
قلت له إن عدم رغبة الرئيس الأمريكي في مقاومة الخصوم من شأنه إثارة الرأي العام، وأخبرته أن بين الحين والآخر، أود أن أراه ينتقد فلاديمير بوتين بشدة. لإرضاء الشعب.
رد الرئيس بهدوء ” هذا ما يبحثون عنه.”