عقيدة أوباما.. الحلقة الثانية
جيفرى غولدبرغ
ذي اتلانتك…
تواصل وكالة أخبار الشرق الجديد نشر وثيقة “عقيدة اوباما ” باللغة العربية ويتابع فيها غولدبرغ عرضه الشيق لما خرج به من حوارت مطولة وفي مناسبات عديدة مع الرئيس الأميركي عرض فيها رؤيته للسياسة الخارجية الأميركية ونظرته إلى مبدأ التدخل العسكري وشن الحروب مستندا إلى فكرة حدود القوة وتعقيدات الوضع الدولي المشحون بالفوضى والتناقضات وبالقوى المنافسة حيث يذكر بالاسم “روسيا المغامرة”و”الصين المتنمرة” وبالتالي ضرورة تحاشي الوقوع في استنزاف جديد للإبراطورية الأميركية ومن هنا تصميمه على التصدي لنهج “التوسع المفرط” واختباره لمبدا القيادة من الخلف عبر إشراك الحكومات الحليفة دوليا وإقليميا في التدخلات وحيث يعرض تجربته في الحرب الليبية منوها بسلوك حلفاء الولايات المتحدة ومن ضمنهم ” منتفعون بالمجان ” استفادوا من الانخراط الأميركي لتمرير اهدافهم الخاصة وعجزوا عن المساهمة في تحقيق الأهداف المشتركة المعلنة وقصروا في حمل حصتهم من الأعباء والتكاليف ويروي مثلا كيف طالب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون برفع موازنة الدفاع.
يصف اوباما نفسه بأنه “واقعي” و”أممي” في سياسته الخارجية مقارنة بتياري التدخل الليبرالي والانعزالية خلال عرض الرئيس الأميركي للكاتب تصنيفه لمدارس أربعة في نظرة النخبة الأميركية إلى السياسة الخارجية : ” الواقعية ” و”الأممية” و”الانعزالية ” و “التدخل الليبرالي” رافضا الانعزال أي عدم التدخل في الخارج لاستحالة ذلك في نظره لأن العالم يتقلص بالتوازي مع رفضه للإفراط في التدخلات التي تنطوي على مخاطر كبرى وهي قاعدة كانت واقعيا خلف اتباعه سياسة التدخل بالواسطة والقيادة من الخلف التي طبقها عمليا ولم يفصح عنها في احاديثه صراحة.
يعترف اوباما في هذه الحلقة بعجز المخابرات الأميركية عن تقدير حجم الخطر الذي يمثله انتشار الجماعات الإرهابية في المنطقة وارتدادها عالميا طبعا تنبغي الإشارة إلى ان الرئيس الأميركي تحاشى محاكمة السلوك الأميركي الذي سمح بحشد الإرهاب وقاد عمليات الإدارة والدعم بقيادة اميركية خصوصا في الحرب على سورية ويورد إشارة إلى تحفظه على السلوك السعودي عارضا بعض الوقائع والتساؤلات حول جدوى فكرة اميركية تقليدية هي تعزيز السعودية وإسرائيل واعتبارهما الحليفين الأقرب للولايات المتحدة ويمكن القول إنه في هذه الحلقة ركز أيضا على خيبته الكبرى من الربيع العربي وفي قلبها خيبة سياسية نافرة من الرهان على أردوغان ونموذج تركيا كوصفة للديمقراطية في العالم الإسلامي بالنظر إلى ما تكشف له من التجربة ان أردوغان فاشل ومستبد كما يقول الرئيس الأميركي.
في هذه الحلقة يقول اوباما إن الاتفاق النووي الإيراني والانفتاح على كوبا ومقررات قمة المناخ هي إنجازته الرئيسية في السياسة الخارجية.
تحدثت في المرة الأولى مع أوباما حول السياسة الخارجية عندما كان عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي في عام 2006. في ذلك الوقت، كنت على دراية بنص خطاب كان قد ألقاه قبل أربع سنوات، في تظاهرة في شيكاغو ضد الحرب. كان خطابًا غير عادي لمسيرة مناهضة الحرب. تحدث أوباما، الذي كان آنذاك عضو مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي، ضد موضوع محدد وكان ، في ذلك الوقت، لا يزال نظريا، وهو موضوع الحرب. وقال “أنا غير مضلل عن حقيقة صدام حسين .. إنه رجل وحشي .. رجل لا يرحم … لكنني أعرف أيضا أن صدام لا يشكل تهديدا وشيكا ومباشرا للولايات المتحدة أو لجيرانه .. أعرف أن غزو العراق من دون منطق واضح وبدون دعم دولي قوي سيؤدي إلى تأجيج النيران من منطقة الشرق الأوسط، وتشجيعًا للأسوأ وليس الأفضل، دفعات من التطرف في العالم العربي، وتعزيز ذراع التجنيد في تنظيم القاعدة”. جعلني هذا الخطاب متشوقًا لمعرفة صاحبه. أردت أن أعرف كيف لسيناتور في ولاية إلينوي، وأستاذ القانون بدوام جزئي الذي قضى أيامه متنقلا بين شيكاغو وسبرينجفيلد، له مثلا هذه البصيرة لفهم المستنقع القادم أكثر من مفكري السياسة الخارجية الأكثر خبرة في حزبه، بما في ذلك شخصيات مثل هيلاري كلينتون وجو بايدن وجون كيري، ناهيك، بطبيعة الحال، عن معظم الجمهوريين وكثير من محللي السياسة الخارجية.
ومنذ ذلك الاجتماع الأول في عام 2006، قابلت أوباما بشكل دوري، لنتناقش حول القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط. ولكن على مدى الأشهر القليلة الماضية، قضيت عدة ساعات نتحدث معه حول مواضيع أوسع حول “لعبة السياسة الخارجية الطويلة”، بما في ذلك الموضوعات التي كان أكثر حرصا على مناقشتها وأعني تلك التي لها علاقة بالشرق الأوسط.
وقال لي في إحدى هذه المحادثات: “إن داعش لا تمثل تهديدا وجوديا للولايات المتحدة، فيما يشكل تغير المناخ تهديدا وجوديا محتملا على العالم بأسره إذا لم نقم بشيء حياله”. وأوضح أوباما أنه يقلق من تغير المناخ على وجه الخصوص لأنه ” مشكلة سياسية مصممة تماما لمواجهة التدخل الحكومي. فهي تشمل جميع الدول. كما أنها حالة طوارئ تسير بخطى بطيئة”.
في هذه اللحظة، وبطبيعة الحال، كانت القضية الأكثر إلحاحا هي القضية السورية. ولكن في أي لحظة، يمكن أن تنهار رئاسة أوباما بأكملها بسبب عدوان كوريا الشمالية، أو هجوم روسي على إحدى دول حلف الناتو، أو هجوم ينفذه تنظيم داعش على الأراضي الأمريكية. ولم يواجه كثير من الرؤساء مثل هذه التجارب المتنوعة على الساحة الدولية كما فعل أوباما.
كان هدفي من محادثاتنا الأخيرة هو رؤية العالم من خلال عيون أوباما، وفهم ما يؤمن به والدور الأمريكي المنشود في العالم. وعززت هذا المقال بسلسلة المحادثات الأخيرة التي أجريت في المكتب البيضاوي. خلال مأدبة غداء، وعلى متن طائرة الرئاسة، وفي كوالالمبور خلال زيارته الأخيرة إلى آسيا في نوفمبر. وشمل المقال أيضًا مقابلاتي السابقة معه وخطاباته وتأملاته العامة، فضلا عن حوارات مع كبار مستشاريه للسياسة الخارجية والأمن القومي، والزعماء الأجانب والسفراء في واشنطن، وأصدقاء الرئيس وآخرين ممن تكلموا معه حول سياساته وقراراته، إضافة إلى خصومه ومنتقديه.
على مدار حديثنا، رايت في أوباما رئيسًا صار – بثبات – أكثر جبرية حول القيود المفروضة على قدرة الولايات المتحدة على توجيه الأحداث العالمية، وحتى في وقت متأخر من رئاسته حيث تراكمت عليه مجموعة من إنجازات تاريخية مثيرة للجدل في السياسة الخارجية، إضافة إلى الإنجازات المؤقتة، ومن هذه الإنجازات: الانفتاح على كوبا، واتفاقية باريس بشأن تغير المناخ، واتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ، وبطبيعة الحال، الاتفاق النووي الإيراني. هذه هي إنجازاته على الرغم من شعوره المتنامي بأن هناك قوى أكبر كثيرا ما تتآمر ضد أفضل النوايا الأمريكية. لكنه أيضا أدرك – كما أخبرني – أن هناك القليل مما تم إنجازه في الشئون الدولية من دون قيادة الولايات المتحدة.
أوباما تحدث إلي من خلال هذا التناقض الواضح، حيث قال: “أريد الرئيس الذي لديه شعور بأنه لا يمكنه إصلاح كل شيء”، ولكن من ناحية أخرى فسر ما يعنيه قائلاً : “إذا لم نقم بتحديد جدول الأعمال ، فلن يحدث شيء”. وقال أيضًا :”الحقيقة أنه لا توجد قمة حضرتها منذ أن توليت الرئاسة لم نضع لها جدول أعمال، لأننا لسنا مسئولين عن النتائج الأساسية”، مضيفًا : “هذا صحيح سواء كنت تتحدث عن الأمن النووي، أو عن إنقاذ النظام المالي العالمي، أو عن المناخ.”
وفي أحد الأيام، وعلى مأدبة غداء في غرفة الطعام في المكتب البيضاوي، سألت الرئيس كيف يعتقد أن يفهم المؤرخون سياسته الخارجية. بدأ بشرح شبكة المدارس الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية والمكونة من أربعة مربعات. أطلق على أحدها اسم “الانعزالية”، وهو ما رفضه جملة وتفصيلا ، لأن “العالم في تقلص مستمر”، وقال: “إن الانسحاب يعد ضعفًا ولا يمكن الدفاع عنه” والمربعات الأخرى أسماها : “الواقعية” و”التدخل الليبرالي” ، و”الأممية” ، وأضاف ” يمكنك أن تصنفني كـ “واقعي” في الاعتقاد بأننا لا نستطيع، في أي لحظة، أن ننهي كل البؤس في العالم” ، مضيفًا: “علينا اختيار المكان الذي يمكن أن يكون لنا فيه تأثير حقيقي”. كما أشار إلى أنه يمكن أن يصنف على أنه أممي، فقد كرس نفسه لتعزيز المنظمات المتعددة الأطراف والأعراف الدولية.
قلت له كان انطباعي بأن الصدمات المختلفة خلال السنوات السبع الماضية عززت التزامه بالقيود التي تفرضها الواقعية. فهل دفعته فترتا ولايته في البيت الأبيض إلى التدخل؟ رد أوباما قائلاً : “بالنسبة لجميع المشاكل الصغيرة لدينا، كانت الولايات المتحدة بوضوح هي قوة الخير في العالم” وأضاف: “إذا قارنت بيننا وبين القوى العظمى السابقة، فإننا نعمل أقل منها على أساس المصلحة الذاتية المجردة، وكان اهتمامنا منصبًا على وضع القواعد التي يستفيد منها الجميع. وإذا كان من الممكن فعل الخير بتكلفة محتملة، لإنقاذ الأرواح، سنقوم بذلك “.
ويقول أوباما: إذا لم تتوافق أي أزمة أو كارثة إنسانية مع معاييره الصارمة لما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، فهو لا يعتقد أنه مجبر على السكوت. فهو ليس ذلك واقعيًّا بهذا القدر، وأضاف أنه لن يصدر حكما على غيره من القادة. ورغم أنه استبعد استخدام القوة الأمريكية المباشرة للإطاحة بالأسد، فقد اصر على أنه لم يكن مخطئا، داعيًا الأسد إلى الرحيل. “في كثير من الأحيان عندما تلتقي منتقدي سياستنا بشأن سوريا، فأحد الأشياء التي سيقولونها : ‘أنت طالبت الأسد بالرحيل، ولكنك لم تجبره على ذلك. ولم تغزو سوريا”. والفكرة هي إذا كنت لا تخطط للاطاحة بالنظام، يجب ألا تقول أي شيء. وهذه حجة غريبة بالنسبة لي، فإن فكرة أننا إذا أردنا استخدام سلطتنا الأخلاقية بأن نقول هذا نظام وحشي، وهذه ليست الطريقة التي ينبغي أن يتعامل بها زعيم مع شعبه، وحالما تفعل ذلك، تصبح مضطرًا لغزو البلاد وتنصيب الحكومة التي تفضلها. وقال أوباما في حديث آخر: “إنني أممي بقدر أكبر” وأنا أيضا مثالي حيث أعتقد أننا يجب تعزيز القيم، مثل الديمقراطية والحقوق والمعايير والقيم الإنسانية، ليس لأنها تخدم مصالحنا فقط – فكلما زاد عدد من يتبنى قيمنا ، وبنفس الطريقة اقتصاديا، إذا اعتمد الناس سيادة القانون وحقوق الملكية وهكذا دواليك، فهذا يصب في صالحنا – ولكن لأنه يجعل العالم مكانا أفضل.
وتابع: “أما وقد قلت ذلك .. أعتقد أيضا أن العالم أصبح صعبًا ومعقدًا وفوضوىًّا، ومليئا بالمصاعب والمآسي. ومن أجل المضي قدما في تحقيق مصالحنا الأمنية والالتزام بتلك المثل والقيم التي نهتم بها، فقد أصبحنا واقعيين وفي نفس الوقت نحمل قلبًا كبيرًا، ونتخير مواقعنا، وندرك أننا حين نذهب هناك سنقوم بأفضل ما يمكننا القيام به لتسليط الضوء على الفظائع هناك، ولكن لا أعتقد أننا يمكننا أن نحلها تلقائيا. وستأتي أوقات تتعارض فيها مصالحنا الأمنية مع اهتماماتنا بحقوق الإنسان. وستأتي أوقات يمكننا أن ننقذ فيها الأبرياء الذين يقتلون، ولكن هناك أوقات أخرى لن يمكننا ذلك”.
وإذا كان أوباما يتساءل فيما مضى عما إذا كانت أمريكا حقا إحدى الأمم التي لا غنى عنها للعالم ، فإنه لم يعد يتساءل الآن. لكنه هو الرئيس النادر الذي يبدو له في بعض الأحيان أن الاستياء لا غنى عنه، بدلا من يتغلب عليه. وقال لي: “المتسلقون غاضبون مني”. ومؤخرا، حذر أوباما من أن بريطانيا لن تكون قادرة على الادعاء بأن لها “علاقة خاصة” مع الولايات المتحدة اذا لم تلتزم بإنفاق ما لا يقل عن 2 % من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. وقال أوباما لديفيد كاميرون “يجب أن تدفع حصتك العادلة” ، ومن ثم رفع كاميرون النسبة إلى اثنين بالمئة .
أوضح أوباما أن جزءاً من مهمته كرئيس هو تحفيز الدول الأخرى لإتخاذ الإجراءات اللازمة بنفسها, بدلاً من إنتظار الولايات المتحدة لكي تقودها. إن الدفاع عن النظام الدولي الليبرالي ضد الإرهاب الجهادي, والمغامرة الروسية, والتنمر الصيني يعتمد بشكل جزئي, كما يعتقد, على إستعداد الدول الأخرى لمشاركة العبء مع الولايات المتحدة. لهذا السبب الجدل المحيط بالتأكيد – الذي صدر من مسئول في الإدارة مجهول الهوية لصحيفة نيويوركر خلال أزمة ليبيا في 2011 – بأن سياسته هى “القيادة من الخلف” . لقد أخبرني, “ليس علينا أن نكون دائماً في المقدمة. في بعض الأحيان سنحصل على ما نريد بالضبط لإننا نشارك الأجندة. المفارقة هي إنه كان بالضبط من أجل منع الدول الأوروبية والعربية من الإستفادة من نجاحنا بينما قمنا نحن بكل القتال الذي صممنا عليه, عمداً” أن يقودونه أثناء المهمة الخاصة بعزل معمر القذافي عن السلطة في ليبيا. “لقد كان جزءاً من حملة مناهضة المنتفعين بالمجان.”
يبدو أن الرئيس أيضاً يؤمن بأن مشاركة القيادة مع الدول الأخرى هي طريقة لردع دوافع أمريكا الأكثر جموحاً. لقد أوضح, “أحد الأسباب التي تجعلني أركز بشدة على التصرف بشكل متعدد الأطراف عندما لا تكون مصالحنا المباشرة في خطر هو أن تعددية الأطراف تضبط العجرفة.” إنه يستشهد بصورة مستمرة بإخفاقات أمريكا الماضية في الخارج كوسيلة للتحقق من الإستقامة الذاتية الأمريكية. قال, “نحن لدينا تاريخ. لدينا تاريخ في إيران, لدينا تاريخ في إندونيسيا وأمريكا الوسطى. لذلك يجب أن نكون منتبهين لتاريخنا عندما نبدأ في التحدث عن التدخل, ونفهم مصدر شكوك الآخرين.”
في مساعيه لتحميل بعض مسئوليات السياسة الخارجية التي تتحملها أمريكا إلى حلفاءها, يبدو أوباما رئيساً يتبع سياسة التقشف الكلاسيكية على طريقة دوايت آيزنهاور وريتشارد نيكسون. التقشف, في هذا السياق, يُعرّف على إنه “التراجع, خفض النفقات, الحد من المجازفة, ونقل الأعباء إلى الحلفاء,” هذا ما شرحه لي ستيفن سيستانوفيتش, الخبير في السياسة الخارجية الرئاسية في مجلس العلاقات الخارجية. لقد قال, “إذا كان تم إنتخاب جون ماكين في 2008, كنت سترى درجة من التقشف. هذا هو ما أرادته الدولة. إذا توليت المنصب في وسط حرب لا تسير بشكل جيد, فأنت مقتنع بأن الشعب الأمريكي وظفك لكي تؤدي بشكل أقل.” قال سيستانوفيتش أن أحد الإختلافات بين آيزنهاور ونيكسون, من ناحية, وأوباما, من الناحية الأخرى, هو أن أوباما “يبدو وإنه كان لديه إلتزاماً شخصياً وأيدولوجياً بفكرة أن السياسة الخارجية قد استهلكت الكثير من إهتمام وموارد الدولة.”
لقد سألت أوباما عن التقشف. قال, “تقريباً كل قوة عالمية عظمى خضعت” للتوسع المفرط. “ما اعتقد إنه ليس فكرة ذكية هو إنه في كل مرة تكون هناك مشكلة, نرسل جيشنا لفرض النظام. نحن لا يمكننا فعل ذلك.”
لكن حالما يقرر أن تحدياً معيناً يمثل تهديداً مباشراً على الأمن القومي, أظهر إستعداداً للعمل بشكل منفرد. هذه واحدة من أكبر المفارقات في رئاسة أوباما: لقد شكك بإستمرار في فاعلية القوة, لكنه أيضاً أصبح أكثر صائدي الإرهابيين نجاحاً في تاريخ الرئاسة, رئيساً سوف يسلم لخليفته مجموعة من الأدوات التي سيحسده عليها قاتل بارع. يقول بن رودس, “إنه يطبق معايير مختلفة على التهديدات المباشرة للولايات المتحدة. على سبيل المثال, بالرغم من هواجسه حول سوريا, لم يتردد حول الطائرات بدون طيار.”يجادل بعض النقاد إنه كان يجب عليه أن يعيد التفكير في ما يرونه إستخدام مفرط للطائرات بدون طيار. لكن جون برينان, مدير السي آي إيه في عهد أوباما, أخبرني مؤخراً عن نفسه والرئيس “لدينا أراء متشابهة. أحدها هو إنك في بعض الأحيان يكون عليك أن تُزهق روحاً لكي تُنقذ أرواحاً أكثر. لدينا نفس الرأي عن نظرية الحرب العادلة. يحتاج الرئيس لشبه يقين بعدم حدوث أضرار لاحقة. لكن إذا كان يعتقد إنه من الضروري التصرف, فإنه لا يتردد.”
إن أولئك الذين يتحدثون مع أوباما عن الفكر الجهادي يقولون إنه يمتلك فهماً واضحاً للقوى التي تدفع العنف المروع بين المسلمين المتطرفين, لكنه كان حذراً من الإفصاح عن ذلك علناً, بدافع القلق من زيادة حدة الخوف من المسلمين. إنه يمتلك فهماً واقعياً للإثم والجُبن والفساد, وتقديراًعلى طريقة هوبز لكيف يشكل الخوف سلوك الإنسان. ومع هذا, فإنه على الدوام, وبإخلاص واضح, ينادي بالتفاؤل بأن العالم سينعطف بإتجاه العدالة.إنه, بطريقة ما, متفائل على طريقة هوبز.
التناقضات لا تنتهي هناك. على الرغم من إنه يشتهر بالإحتراز, إلا إنه كان حريصاً على التشكيك في بعض الإفتراضات طويلة الأمد التي تسند تفكير السياسة الخارجية الأمريكية التقليدي. بدرجة كبيرة, إنه مستعد للتشكيك في السبب الذي يجعل أعداء أمريكا أعداءها, ويجعل بعض أصدقاءها أصدقاءها. لقد أسقط نصف قرن من إجماع الحزبين من أجل إعادة إقامة علاقات مع كوبا. لقد تشكك لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تتجنب إرسال قواتها إلى باكستان لقتل قادة القاعدة, ويتشكك سراً لماذا يجب إعتبار باكستان, التي يعتبرها دولة مختلة وظيفياً, حليفاً للولايات المتحدة.
بحسب ليون بانيتا, فإنه تشكك لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تحافظ على ما يُسمى التفوق العسكري النوعي لإسرائيل, الذي يمنحها إمكانية الحصول على أنظمة أسلحة أكثر تطوراً من تلك التي يحصل عليها حلفاء أمريكا العرب؛ وتشكك أيضاً في الدور الذي يلعبه الحلفاء العرب السنة لأمريكا في تحريض الإرهاب المُعادي لأمريكا. إنه غاضب بصورة واضحة من أن العقيدة التقليدية للسياسة الخارجية ترغمه على معاملة السعودية كحليف. وبالطبع قرر في وقت مبكر, في وجه الإنتقادات الواسعة, إنه يريد التواصل مع خصم أمريكا اللدود في الشرق الأوسط, إيران. إن الإتفاق النووي الذي أبرمه مع إيران يثبت أن أوباما ليس متجنباً للمخاطر. لقد راهن الأمن العالمي وإرثه الخاص على أن واحدة من أكبر الدول الراعية للإرهاب في العالم سوف تلتزم بإتفاقية لتحجيم برنامجها النووي.
“إن إلقاء القنابل على شخص ما من أجل إثبات إنك مستعد لإلقاء القنابل على شخص آخر يكاد يكون أسوأ سبب لإستخدام القوة.”
يُفترض, على الأقل بين ناقديه, أن أوباما سعى لإتفاق إيران لإنه يملك رؤية عن التقارب الأمريكي-الفارسي التاريخي. لكن رغبته في الإتفاقية النووية نبعت من التشاؤم بقدر ما نبعت من التفاؤل. أخبرتني سوزان رايس, “لم يكن إتفاق إيران يدور بشكل رئيسي حول محاولة بدء عهد جديد من العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران. لقد كان أكثر براجماتية وإعتدالاً. كان الهدف ببساطة هو جعل دولة خطيرة أقل خطورة بشكل كبير. لم يتوقع أي أحد أن إيران ستصبح فاعلاً أكثر إعتدالاً.”
لقد ذكرت لأوباما من قبل مشهداً من فيلم The Godfather: Part III, والذي يتذمر فيه مايكل كورليوني بغضب من فشله في الهروب من قبضة الجريمة المنظمة. لقد أخبرت أوباما أن الشرق الأوسط بالنسبة لرئاسته مثل العصابة بالنسبة لكورليوني, وبدأت في الإستشهاد بعبارة آل باتشينو: “فقط عندما ظننت إنني هربت –”قال أوباما, مُكملاً الفكرة, “تسحبك مرة أخرى.”
إن قصة إصطدام أوباما مع الشرق الأوسط تتبع أحداثاً من خيبة الأمل. في أول فورة ممتدة له من الشهرة, كمرشح رئاسي في 2008, كان أوباما يتحدث بأمل عن المنطقة. في برلين ذلك الصيف, في خطاب أمام 200 ألف مواطن ألماني, قال, “هذه هي اللحظة التي يجب علينا أن نساعد في تلبية النداء من أجل فجر جديد في الشرق الأوسط.”
العام التالي, بصفته رئيساً, ألقى خطاباً في القاهرة والذي هدف لإعادة ضبط العلاقات الأمريكية مع مسلمي العالم. لقد تحدث عن المسلمين في عائلته, وسنوات طفولته في إندونيسيا, وأعترف بأخطاء أمريكا في الوقت الذي انتقد فيه أولئك في العالم الإسلامي الذين شيطنوا الولايات المتحدة. مع ذلك, أكثر ما لفت الإنتباه كان وعده بمعالجة الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني, الذي كان يُعتقد وقتها إنه الشاغل الرئيسي للمسلمين العرب. إن تعاطفه مع الفلسطينيين أثار الجمهور, لكنه عقّد علاقاته مع بنيامين نيتنياهو, رئيس الوزراء الإسرائيلي – خاصة لأن أوباما قرر أيضاً تجاهل القدس في أول زيارة رئاسية له إلى الشرق الأوسط.
عندما سألت أوباما مؤخراً عما كان يأمل في إنجازه بخطابه في القاهرة, قال إنه كان يحاول – دون جدوى, كما أعترف – إقناع المسلمين أن يفتشوا عن كثب عن جذور تعاستهم.
لقد أخبرني, “كانت حُجتي هي: دعونا جميعاً نتوقف عن التظاهر بأن سبب مشاكل الشرق الأوسط هو إسرائيل. نحن نريد العمل على المساعدة في تحقيق دولة وكرامة للفلسطينيين, لكنني كنت آمل في أن يؤدي خطابي إلى حوار, أن يخلق مساحة للمسلمين لكي يعالجوا المشاكل الحقيقية التي يواجهوها –مشاكل الحوكمة, وحقيقة أن بعض تيارات الإسلام لم تمر بعملية إصلاح تساعد الناس على تكييف عقائدهم الدينية مع الحداثة. كان تفكيري هو: سوف أنقل أن الولايات المتحدة لا تقف في طريق هذا التقدم, وإننا نريد المساعدة, بأي طريقة ممكنة, لتحقيق أهداف أجندة عربية ناجحة وعملية والتي توفر حياة أفضل للأشخاص العاديين.”
خلال المرحلة الأولى للربيع العربي, في 2011, واصل أوباما التحدث بتفاؤل عن مستقبل الشرق الأوسط, مُقترباً بأكبر قدر من تبني ما يُعرف بأجندة الحرية الخاصة بجورج دبليو بوش, التي اتسمت جزئياً بالإعتقاد أن القيم الديموقراطية يمكن غرسها في الشرق الأوسط. لقد ساوى المتظاهرين في تونس وميدان التحرير بروزا باركس و”وطنيو بوسطن.”
لقد قال في خطاب في ذلك الوقت, “بعد عقود من قبول العالم كما هو في المنطقة, لدينا فرصة لكي نتابع العالم كما يجب أن يكون. الولايات المتحدة تدعم مجموعة من الحقوق العالمية. وهذه الحقوق تشمل حرية التعبير, حرية التجمع السلمي, حرية العقيدة, المساواة بين الرجل والمرأة بموجب القانون, والحق في إختيار الحكام … إن دعمنا لهذه المبادئ ليس إهتماماً ثانوياً.”
لكن على مدار الثلاث سنوات التالية, بينما تخلى الربيع العربي عن وعده في وقت مبكر, وإجتاحت الوحشية والإختلال الوظيفي الشرق الأوسط, ازدادت خيبة أمل الرئيس. إن بعض أعمق إحباطاته تتعلق بالحكام الشرق أوسطيين أنفسهم. بنيامين نيتنياهو يقع في نفس الفئة: لقد آمن أوباما لوقت طويل أن نيتنياهو يستطيع تنفيذ حل الدولتين الذي سيحافظ على وضع إسرائيل كديموقراطية ذات أغلبية يهودية, لكنه خائف وعاجز سياسياً عن فعل ذلك. أوباما أيضاً لم يمتلك الكثير من الصبر على نيتنياهو والقادة الشرق أوسطيين الآخرين الذين يتشككون في فهمه للمنطقة. في واحد من إجتماعات نيتنياهو مع الرئيس, شرع رئيس الوزراء الإسرائيلي في ما يشبه محاضرة عن مخاطر المنطقة الوحشية التي يعيش فيها, وشعر أوباما أن نيتنياهو يتصرف بطريقة بها تشوف, ويتجنب الموضوع القائم: مفاوضات السلام. أخيراً, قاطع الرئيس رئيس الوزراء: لقد قال, “بنيامين, يجب أن تفهم شيئاً. أنا الابن الأمريكي من أصل أفريقي لأم عازبة, وأنا أعيش هنا, في هذا البيت. أنا أعيش في البيت الأبيض. لقد نجحت في أن أصبح الرئيس المنتخب للولايات المتحدة. أنت تظن إنني لا أفهم ما تتحدث عنه, لكنني أفهم.” بعض القادة الآخرين أيضاً يحبطونه بشدة.
في وقت سابق, رأى أوباما رجب طيب أردوغان, رئيس تركيا, على أنه شكل القائد المسلم المعتدل الذي سيعالج الإنقسام بين الشرق والغرب – لكن أوباما يعتبره الآن فاشلاً ومستبداً, شخصاً يرفض إستخدام جيشه الضخم من أجل جلب الإستقرار إلى سوريا. وعلى هامش قمة الناتو في ويلز في 2014, أخذ أوباما ملك الأردن عبد الله الثاني جانباً. قال أوباما إنه سمع أن الملك عبد الله شكى لأصدقائه في الكونجرس الأمريكي من قيادته, وأخبر الملك إنه إذا كان لديه شكاوى, عليه أن يقدمها مباشرة. أنكر الملك إنه تحدث عنه بسوء.
في الأيام الأخيرة, إتجه أوباما إلى المزاح سراً, “كل ما أحتاجه في الشرق الأوسط هو قليل من المستبدين الأذكياء.” لطالما أمتلك أوباما ولعاً بالمساعدين المعبرين التكنوقراط البراجماتيين والمضبوطين عاطفياً, “فقط إذا استطاع الجميع أن يصبحوا مثل الإسكندنافيين, سيصبح كل هذا سهلاً.”
كشف الربيع العربي امام الرئيس حدود ما تستطيع الولايات المتحدة تحقيقه في الشرق الأوسط, وجعله يدرك إلى أي مدى كانت الفوضى هناك مُشتتة عن الأولويات الأخرى. جون برينان, الذي عمل كبير مستشاري مكافحة الإرهاب في فترة أوباما الأولى, أخبرني مؤخراً, “أدرك الرئيس أثناء الربيع العربي أن الشرق الأوسط يستنزفنا.”
لكن ما اختتم نظرة أوباما القدرية هو فشل تدخل إدارته في ليبيا في 2011. ذلك التدخل كان يهدف إلى منع الديكتاتور حينذاك, معمر القذافي, من ذبح شعب بنغازي, حيث كان يهدد بذلك. لم يرغب أوباما في الإنضمام للقتال؛ لقد أشير عليه من جو بايدن ووزير دفاعه في فترة الولاية الأولى روبرت غيتس, من ضمن آخرين, أن ينأى بنفسه. لكن فصيلا قوي داخل فريق الأمن القومي – وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وسوزان رايس, التي كانت وقتها سفيرة في الأمم المتحدة, إلى جانب سامانثا باور, بن رودز, وأنتوني بلينكن, الذي كان وقتها مستشار الأمن القومي لبايدن – ضغطوا بقوة من أجل حماية بنغازي, وانتصروا. (بايدن, الساخط على تقييم السياسة الخارجية لهيلاري كلينتون, قال سراً, “هيلاري تريد فقط أن تصبح جولدا مائير.”) سقطت القنابل الأمريكية, ونجا شعب بنغازي مما كان قد يصبح أو لا يصبح مذبحة, وتم القبض على القذافي وإعدامه.
لكن أوباما يقول اليوم عن التدخل, “إنه لم ينجح.” إنه يعتقد أن الولايات المتحدة خططت عملية ليبيا بعناية – ومع هذا لا تزال الدولة في وضع كارثي. لماذا وافق على نصيحة مستشاريه الأكثر نشاطاً بالتدخل, بالنظر إلى ما يبدو إنه إحتراز الرئيس الطبيعي تجاه التورط عسكرياً حيثما لا يكون الأمن القومي الأمريكي في خطر؟
قال أوباما, موضحاً تفكيره في ذلك الوقت, “لقد إنهار النظام الإجتماعي في ليبيا. أنت لديك إحتجاجات ضخمة ضد القذافي. ولديك إنقسامات قبلية داخل ليبيا. بنغازي نقطة محورية لنظام المعارضة. والقذافي زحف بجيشه في إتجاه بنغازي, وقال ’سوف نقتلهم مثل الجرذان.‘
“الآن, الخيار الأول هو عدم فعل شيء, وكان هناك البعض في إدارتي ممن قالوا, بقدر ما هو الوضع مأساوي في ليبيا, إنها ليست مشكلتنا. إن الطريقة التي نظرت بها للأمر هي إنها ستكون مشكلتنا إذا, في الواقع, إندلعت الفوضى العارمة والحرب الأهلية في ليبيا. لكن هذا ليس في قلب المصالح الأمريكية لدرجة تجعل من المنطقي أن نشن ضربات بشكل منفرد ضد نظام القذافي. عند تلك النقطة, أنت لديك أوروبا وعدد من الدول الخليجية التي تحتقر القذافي, أو التي تشعر بالقلق لأسباب إنسانية, وتطالب بالتدخل. لكن العادة التي جرت في العقود العديدة الماضية في مثل هذه الظروف هي أن يدفعنا الناس للتدخل ثم يُظهرون بعد ذلك إحجاماً عن تقديم أية مجازفات.”قاطعته, “المنتفعون مجاناً؟”
قال, “المنتفعون بالمجان,” وواصل قوله, “لذلك ما قلته عند تلك النقطة كان, يجب أن نعمل كجزء من تحالف دولي. لكن لأن هذا لا يقع في صميم مصالحنا, نحتاج للحصول على تفويض من الأمم المتحدة؛ نحتاج أن يكون الأوروبيون ودول الخليج مشتركين بفاعلية في هذا التحالف؛ سوف نستخدم القدرات العسكرية الفريدة بالنسبة إلينا, لكننا نتوقع من الآخرين أن يكون لهم ثقلهم. وقد عملنا مع فرقنا الدفاعية للتأكد من إننا نستطيع تنفيذ إستراتيجية بدون النزول إلى الأرض وبدون إلتزام عسكري طويل الأمد في ليبيا “وهكذا نفذنا الخطة مثلما توقعت: حصلنا على تفويض من الأمم المتحدة, قمنا ببناء تحالف, كلفنا الأمر مليار دولار – وهو, عندما يتعلق الأمر بالعمليات العسكرية, رخيص جداً. لقد تفادينا الخسائر المدنية على نطاق واسع, لقد منعنا ما كان سيصبح بالتأكيد حرباً أهلية مطولة ودموية. وبالرغم من كل هذا, ليبيا في حالة فوضى.”
الفوضى هو المصطلح الدبلوماسي للرئيس؛ سراً, هو يصف ليبيا بإنها “غارقة في الفوضى,” جزئياً لإنها أصبحت ملاذاً لداعش – التي استهدفها بضرباته الجوية. يعتقد أوباما إنها أصبحت غارقة في الفوضى لأسباب لا تتعلق بالعجز الأمريكي بقدر ما تتعلق بسلبية حلفاء أمريكا وبالقوة المتعنتة للقبلية.
قال أوباما, “عندما ارجع للماضي وأسأل نفسي ما الخطأ, هناك مجال للإنتقاد, لإنني آمنت بأن الأوروبيين, بالنظر إلى قربهم من ليبيا, سيُستفاد منهم في المتابعة.” ذكر أن نيكولا ساركوزي, الرئيس الفرنسي, خسر منصبه في العام التالي. وقال أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون توقف سريعاً عن الإهتمام, حيث أصبح “مُشتتاً بمجموعة من الأمور الأخرى.” وقال عن فرنسا, “أراد ساركوزي الإعلان عن الطلعات الجوية التي يشارك بها في الحملة الجوية, بالرغم من حقيقة إننا كنا قد محونا جميع الدفاعات الجوية وشيدنا البنية التحتية الكاملة” الخاصة بالتدخل. قال أوباما إن هذا النوع من التفاخر كان جيداً لإنه سمح للولايات المتحدة أن “تشتري مشاركة فرنسا بطريقةجعلت الأمر أقل تكلفة وخطورة بالنسبة لنا.” بعبارة أخرى, منح فرنسا فضلاً إضافياً مقابل خطورة وتكلفة أقل على الولايات المتحدة كانت مبادلة نافعة – بإستثناء أن “من وجهة نظر الكثير من الأشخاص في مؤسسة السياسة الخارجية, كان هذا مريعاً. إذا كنا سنفعل شيئاً, يجب أن نكون في الواجهة, ولا يشاركنا أحد في دائرة الضوء.”
ألقى أوباما باللوم أيضاً على التناقضات الليبية الداخلية. “إن مستوى الإنقسام القبلي في ليبيا كان أكثر مما توقعه محللونا. وقدرتنا على إمتلاك أي نوع من البنية هناك والتي يمكننا التفاعل معها وبدء تدريبها وتوفير الموارد لها إنهارت بسرعة كبيرة.”
لقد أثبتت ليبيا له أنه من الأفضل تجنب الشرق الأوسط. وأخبر زميلا سابقا من مجلس الشيوخ مؤخراً, “من المستحيل أن نلتزم بحكم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. سيكون هذا خطأ جوهريا.”
لم يتولى الرئيس أوباما منصبه وهو منشغل بالشرق الأوسط. إنه أول ابن من منطقة المحيط الهادئ الذي يصبح رئيساً – لقد وُلد في هاواي, ونشأ هناك و عاش لأربعة أعوام في إندونيسيا – وهو مركز على تحويل إهتمام أمريكا إلى آسيا. بالنسبة إلى أوباما, آسيا تمثل المستقبل. أفريقيا وأمريكا اللاتينية, في رأيه, يستحقان من إهتمام الولايات المتحدة أكثر بكثير مما يحصلان عليه. أوروبا, الغير رومانسي تجاهها, مصدراً للإستقرار العالمي والتي تحتاج للتكاتف الأمريكي, رغم ما يسببه له ذلك من إزعاج في بعض الأحيان. والشرق الأوسط منطقة يجب تجنبها – منطقة, بفضل ثورة الطاقة في أمريكا, قريباً لن يكون لها أهمية تُذكر بالنسبة إلى الإقتصاد الأمريكي.
ليس النفط هو ما يشكل فهم أوباما لمسئولياته في الشرق الأوسط لكنه أحد المصادر الأخرى, ألا وهو الإرهاب. في أوائل 2014, أخبره مستشارو المخابرات أن داعش ذات أهمية هامشية. وفقاً لمسئولين في الإدارة, الجنرال لويد أوستن, الذي كان وقتها قائد القيادة المركزية التي تُشرف على العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط, أخبر البيت الأبيض أن تنظيم الدولة الإسلامية كان مثل “لمع السراب.” هذا التحليل جعل أوباما, في حوار مع صحيفة نيويوركر, يصف كوكبة الجماعات الجهادية في العراق وسوريا على إنها “فرق مبتدئة” في الإرهاب.
لكن في أواخر ربيع 2014, بعد أن استولى تنظيم داعش على مدينة الموصل في شمال العراق, أصبح يصدق أن المخابرات الأمريكية قد فشلت في تقدير خطورة التهديد وعدم أهلية الجيش العراقي, وتبدل رأيه. بعد أن قامت داعش بقطع رؤوس ثلاثة مواطنين أمريكيين في سوريا, أصبح واضحاً لأوباما أن هزيمة الجماعة ضرورة مُلحة للولايات المتحدة أكثر بكثير من إسقاط بشار الأسد.
يتذكر المستشارون أن أوباما كان يستشهد بلحظة محورية من فيلم The Dark Knight, من سلسلة أفلام باتمان لعام 2008, لكي يوضح كيف فهم دور داعش, وكيف فهم النظام البيئي الأكبر الذي نشأت فيه. كان يقول, “هناك مشهدا في البداية حيث يلتقي زعماء عصابة جوثام. هؤلاء الرجال لديهم مدينة منقسمة. لقد كانوا سفاحين, لكن كان هناك نوع من النظام. كل شخص كان لديه بستانه الخاص. ثم يظهر الجوكر ويشعل النيران في المدينة. داعش هي الجوكر. إنها تمتلك القدرة على إشعال النيران في المنطقة. لهذا السبب علينا محاربتها.”إن صعود تنظيم الدولة الإسلامية رسّخ إقتناع أوباما بأن الشرق الأوسط لا يمكن إصلاحه – ليس في عهده, ولا لجيل قادم.