تقرير خدمة أبحاث الكونغرس حول النزاعات في سوريا: دور الولايات المتحدة الضمني في رعاية الإرهاب:ستيفن غوانس
النتيجة الحتمية التي توصل اليها تقرير الكونجرس الأميركي هي ان الولايات المتحدة دولة راعية للإرهاب في سوريا، في الوقت نفسه، خلق التقرير موجة تحديات واسعة حول معتقدات النزاع، بما في ذلك دحض فكرة أن المعارضة لديها دعم شعبي وأن الصراع هو حرب طائفية بين الطائفة العلوية التي يمثلها الرئيس السوري بشار الأسد والأغلبية السنية .
اعد مكتب خدمة الابحاث في الكونغرس (وهو ذراع الكونغرس للتخطيط) التقرير في أكتوبر 2015، ويوفر مكتب خدمة أبحاث الكونغرس دراسات حول السياسات والتحاليل القانونية للجان وأعضاء مجلس النواب والشيوخ.
تحت عنوان “الصراع المسلح في سوريا: لمحة عامة واستجابة الولايات المتحدة” كشف التقرير أن:
1- الصراع السوري هو بين الإسلاميين والعلمانيين، وليس بين السنة والعلويين.
كثيرا ما تؤكد تقارير وسائل الاعلام ان المتمردين هم السنة الذين حملوا السلاح في وجه الحكومة السورية المؤيدة من العلويين. وما تم تجاهله دائما هو أن أكبر قوة مقاتلة سنية في سوريا هي من الجيش. نعم المتمردون اغلبهم سنة، ولكن الجنود السوريين الذين يقاتلون هم بمعظمهم من السنة ايضا. وكما يشير الباحثون في الكونغرس الى ان “معظم افراد الجيش العاديين هم من الغالبية العربية السنية والأقليات الاخرى” (ص 7).
أيضا: “يستمر المجندون السنة في القتال من أجل الأسد” (ص 12). وبدلا من أن تكون المعركة بين اثنين من الطوائف المختلفة، الصراع هو صراع بين الأصوليين السنة الذين يريدون فرض رؤيتهم للإسلام على السياسة والمجتمع السوري، وعلى الجانب الآخر، السوريين بمن في ذلك السنة الذين يتبنون رؤية الحكومة العلمانية غير الطائفية.
2- يهيمن الاسلاميون على ائتلاف المعارضة السورية المتحالفة مع الأجانب المعادين لسوريا.
ووفقا للتقرير، فإن المجلس الوطني السوري (المؤلف من جماعة الإخوان المسلمين) هو “أكبر مجموعة مكونة” للائتلاف السوري المعارض، المعتمد على تركيا اكثر من اعتماده على المعارضين الخارجيين للرئيس الأسد، (ص 14) وجماعة الإخوان المسلمين التي تسعى إلى تشكيل قاعدة سياسية للحكم من خلال القرآن، وليس الدستور العلماني.
3- تفتقر تحالفات المعارضة السياسية إلى الدعم الشعبي …” (ص. 27).
هذا يتفق مع نتائج استطلاع الرأي العام الذي اجري الصيف الماضي من قبل شركة أبحاث تعمل مع الولايات المتحدة والحكومة البريطانية. ووجد الاستطلاع أن الأسد يتمتع بتأييد أكبر من القوات المحتشدة ضده.
ووجدت الدراسة، التي أجرتها ORB الدولية، وهي شركة متخصصة في بحوث الرأي العام في البيئات الهشة ومناطق الصراعات، أن 47 % من السوريين يعتقدون أن الأسد لديه تأثير إيجابي في سوريا، بالمقارنة مع 35٪ فقط للجيش السوري الحر .
وتوصل استطلاع ORB الذي أجري في مايو 2014 إلى استنتاجات مماثلة، فوجد الاستطلاع أن أكثر السوريين يعتقدون أن حكومة الأسد هي أفضل ممثل لمصالحهم وتطلعاتهم مما تعتقد الجماعات المعارضة.
ووفقا للاستطلاع، 6 % فقط يعتقدون أن المتمردين “حقيقيين” ويمثلون مصالحهم وتطلعاتهم، وهذا يشكل تصديقا لما كان يقوله الرئيس الأسد مرارا عن افتقار تلك الجماعات المعارضة للدعم الشعبي، لافتا إلى ان حكومته بقيت على قيد الحياة لخمس سنوات بسبب الدعم الشعبي لها.
4- لا توجد معارضة معتدلة، رغم محاولة الولايات المتحدة لبناء واحدة تكون بمثابة شريك لها.
واشار التقرير إلى جهود الولايات المتحدة لخلق شركاء في سوريا، كناية عن دمى يمكن الاعتماد عليهم لتعزيز مصالح الولايات المتحدة.
ووصف وزير الدفاع اشتون كارتر “السيناريو” بانه الافضل “للشعب السوري فهو من شأنه أن ينطوي على ازالة الاسد من السلطة والتحام قوى المعارضة مع عناصر أجهزة الدولة السورية شركاء الولايات المتحدة …”. (ص. 15-16).
أيضا: وزارة الدفاع الأمريكية “سعت إلى دعم القادة الذين يمكن الاعتماد عليهم ليكونوا بمثابة شركاء للولايات المتحدة …” (ص 23)، ولخلق شركاء يمكن الاعتماد عليهم من قبل الولايات المتحدة في مشروع بناء المعارضة “المعتدلة”.
في ملخص التقرير كتب الباحثون أن استراتيجية الولايات المتحدة تؤدي عن غير قصد “لتعزيز الأسد، والدولة الإسلامية، وغيرها من القوى المناهضة للولايات المتحدة أي الجماعات الإسلامية المسلحة”. الجماعات الإسلامية المسلحة التي ليست مناهضة للولايات المتحدة قد ينظر إليها بشكل إيجابي لأنها تناسب استراتيجية الولايات المتحدة. ومع ذلك “يبدو ان التحالفات السياسية المعارضة … تفتقر إلى الدعم الشعبي” وأن واشنطن لا يمكن ان تعتمد على المعارضة المعتدلة التي شكلت بالفعل ولكنها تحتاج إلى البناء الموحد، وهذا يدل على أن المتمردين شركاء الولايات المتحدة الذين سيحكمون مع عناصر من الدولة السورية في مرحلة ما بعد الأسد سوريا سيجعلون السلطة فارغة تماما.
وقال الجنرال لويد أوستن الثالث، قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط امام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ إنه على الرغم من إنفاق البنتاغون 500 مليون دولار لتدريب وتجهيز المتمردين “المعتدلين”، فان “أربعة أو خمسة فقط” هم في المعركة. ولاحظت صحيفة وول ستريت جورنال في أواخر ديسمبر كانون الاول بانه لا وجود للمعتدلين. فقد توزعوا بين جبهة النصرة، واحرارالشام والمجموعات الإرهابية المتطرفة التي تسيطر عليها المعارضة أو المتشددون التابعون لداعش.
5- الولايات المتحدة تسلح الارهابيين الطائفيين بشكل غير مباشر، وربما مباشر وبالسر.
واشار التقرير إلى أن الامر لا يقتصر على التدريبات العلنية التي قادتها وزارة الدفاع أوالتجهيزات التي منحت للمتمردين، إلا أن الولايات المتحدة أيضا تسلح كافة المجموعات سرا، وذلك وفقا للباحثين في الكونغرس:
“ثم قال وزير الدفاع تشاك هاجل في سبتمبر 2013 امام جلسة استماع لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أن الإدارة بصدد اتخاذ خطوات لتوفير الأسلحة لبعض المتمردين السوريين كعمل سري” (ص. 23).أيضاقال الوزير هاغل: “اتخذ القرار في شهر يونيو من هذا العام لدعم المعارضة … ونحن في وزارة الدفاع، لم نشارك في هذا القرار”.
إذا اعلنت الولايات المتحدة انها تسلح بعض الجماعات المتمردة علنا، فلماذا تسلح المجموعات الاخرى سرا؟ هناك فرضية غير معقولة بانه تم تسليح بعض الجماعات المتمردة سرا لأنها كانت توصف بأنها منظمات إرهابيةوبصورة تؤكد هذه الشكوك كشف عدد من التقارير الصحفية أن المتمردين الذين تلقوا تدريبا وأسلحة من الولايات المتحدة يعملون مع الجماعات الإرهابية في سوريا.
وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال فإن “المسلحين الذين تم تدريبهم سرا من قبل وكالة الاستخبارات المركزية … يقاتلون مع الجماعات الإسلامية الأكثر تشددا، بما فيها جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة”. وأشارت نفس الصحيفة الى أن “جبهة النصرة حاربت، جنبا إلى جنب مع وحدات المتمردين الذين تدعمهم الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة”. واشار التقرير الى تعاون ثالث بين “الفصائل المدعومة من وكالة الاستخبارات المركزية السورية والجيش والعناصر المتطرفة مثل جبهة النصرة وأحرار الشام”، ودعونا نكون واضحين. أي شخص منغمس في القتال إلى جانب تنظيم القاعدة هو إرهابي.
ووفقا للباحثين في الكونغرس، فإن أسلحة الولايات المتحدة اخذت طريقها إلى الجهاديين. “فبعض جماعات المعارضة السورية التي حصلت على معدات وأسلحة من الولايات المتحدة استسلمت وفقدت هذه العناصر التي انتقلت إلى مجموعات أخرى، بما في ذلك الجماعات المتطرفة مثلجبهةالنصرة” (ص 23).
وكما ذكرت صحيفة واشنطن بوست “فان وكالة الاستخبارات المركزية دربت وجهزت ما يقرب من 10000 مقاتل وأرسلتهم إلى سوريا خلال السنوات القليلة الماضية”، والجزء الأكبر من المتمردين الذين دربتهم وجهزتهم الـCIA من المرجح جدا انهم انضموا الى المتطرفين الاسلاميين. إخفاء هذا الواقع المخزي عن الرأي العام الأميركي ربما هو السبب الرئيسي للبرنامج السري.
6- واشنطن تريد احتواء داعش، ولكن ليس القضاء عليه من أجل الحفاظ على الضغط العسكري ضد الحكومة السورية.
منذ انطلاق الحملة الجوية القوية التي يقودها التحالف الأميركي ضدداعش، شكك العديد من المراقبين بنوايا الولايات المتحدة في القضاء علىداعشحتى الآن، فهي تحاول احتواء داعش، لمواصلة الضغط على الحكومة السورية. على سبيل المثال، يقول المراسل المخضرم والأشهر في الشرق الأوسط روبرت فيسك: “أنا لا أعتقد أن الولايات المتحدة جادة، فأحيانا يمكنك سماع دوي القنابل الأميركية، ولكن بالتأكيد لا تأثير كبير لتلك الاصوات.”
يوم واحد، بعد بدء روسيا العمليات الجوية في سوريا، لاحظ الصحفي باتريك كوكبرن ان “الطائرات الروسية نفذت 71 طلعة جوية و 118 ضربة جوية ضد المقاتلين الإسلاميين في سوريا خلال اليومين الماضيين مقارنة بغارة جوية واحدة فقط من قبل قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة – وهذه الغارة كانت الوحيدة منذ أربعة أيام” وبعد استيلاء داعش علىتدمر، واندفاعها نحو حلب، لم تقم قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة باي خطوة لإبعادها، ما ادى الى التساؤل عن مدى التزام الولايات المتحدة باحتواء المجموعة. وقد اعرب الرئيس الأسد عن شكوكه حول ما إذا كانت الولايات المتحدة جادة بشأن تدميرداعش، لافتا إلى استمرار النجاحات التي حققتها المنظمة في سوريا، على الرغم من الحرب المفترضة التي شنها التحالف الأميركي ضدها. وبعبارة أخرى، فشل التحالف بان يكون له تأثير حقيقي على أرض الواقع “.
النهج الفاتر في محاربةداعشفي سوريا يتناسب مع هدف الرئيس الأمريكي باراك أوباما المعلن حول التصدي لتنظيم القاعدة. تدميره قد يكون الهدف في نهاية المطاف، ولكن إلى أن يتحقق الهدف من وجوده سيبقى دوره إضعاف الحكومة السورية. الآن تتبنى الولايات المتحدة على ما يبدو السماحلداعشبمواصلة تحقيق مكاسب في سوريا، ويتفق تقرير خدمة أبحاث الكونغرس مع هذا الرأي: ويخلص إلى أن “الولايات المتحدة قد تكون مسؤولة عن الحملة العدوانية ضد الدولة الإسلامية (ص 19).
على النقيض من ذلك، فإن موسكو تقود الحرب الأكثر قوة ضدداعش، ولسبب واضح. على عكس واشنطن، فإنها تسعى إلى دعم حليفها السوري. تجدر الإشارة إلى أن العمليات العسكرية الروسية في سورية قانونية، ونفذت بإذن من الحكومة السورية. على النقيض من ذلك، فإن تحالف الولايات المتحدة تجاهل بوقاحة القانون الدولي لدخول المجال الجوي السوري دون موافقة دمشق. وفي الواقع قامت قوات التحالف بغزو غير شرعي وارتكبت جريمة بعدوانها، وضاعفت تدريبها وتسليحها للإرهابيين.
الخلاصة
قال التقرير إنه في غياب الدعم الشعبي لتحالفات المعارضة السياسية في سوريا، تعتمد الولايات المتحدة على عدد من التكتيكات للضغط على الحكومة الحالية في سوريا للتنحي، بما في ذلك:
– الحفاظ علىداعشعلى قيد الحياة كأداة للحفاظ على الضغط العسكري على دمشق.
– تسليح المجموعات الجهادية بشكل غير مباشر و(يمكننا أن نفترض) ان يكون مباشرا للضغط على الأسد.
– السعي لخلق معارضة معتدلة من شأنها أن تكون بمثابة الشريك الأميركي.
– محاولة لاستمالة أجزاء من الدولة السورية القائمة على القيام بدور الشراكة في حكم ما بعد الأسد لسوريا.
الآثار المترتبة على النقاط 1 و 2 هي أن دولا كالولايات المتحدة التي تأخذ دور المدرب، والمورد للأسلحة إلى المتمردين الذين يقاتلون الى جانب القاعدة في سوريا، تساهم في ابقاء داعش على قيد الحياة، واستخدام هؤلاء الارهابيين ومنظماتهم لتحقيق أهدافهم السياسية المتمثلة في تنصيب حكومة الولايات المتحدة شريكا في سوريا وهي دولة راعية للإرهاب.
غلوبال ريسيرتش
ترجمة: وكالة اخبار الشرق الجديد-ناديا حمدان