كوابيس سعودية
غالب قنديل
يوحي السلوك السياسي للمملكة السعودية بحالة متفاقمة من القلق والعجز عن التكيف السياسي مع المتغيرات وهو ما شكل محور شكوى خبراء ومخططي السياسات الأميركية مؤخرا في اول ندوة بحثية عقدها مجلس العلاقات الخارجية برئاسة رتشارد هاس قبل أيام وخصصها لمناقشة اوضاع المنطقة العربية .
اولا المخاوف السعودية التي تحولت إلى كوابيس في اواخر العام الماضي 2015 تتمحور حول تعارضات ظاهرة مع الولايات المتحدة في التعامل مع التغييرات القاهرة ( صمود سورية وصعود إيران وحضور روسيا ورطة العدوان على اليمن وخطر ارتداد جماعات التكفير ) والمسافة الافتراضية بين موقفي الولايات المتحدة والحكم السعودي انطلقت منذ اضطرار الرئيس باراك اوباما للتراجع عن قراره الشهير بضرب سورية ومن ثم توقيع الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي السلمي ومن بعد ذلك التكيف مع نتائج الانخراط الروسي العسكري في سورية بالاتفاق مع الرئيس بشار الأسد ومع إيران أيضا كما بينت زيارة الرئيس بوتين إلى طهران وخصوصا تصريحاته بعد لقائه بالإمام السيد علي الخامنئي .
تقوم الولايات المتحدة عمدا باستثمار التباينات وتوظيفها لتصنيع صورة افتراضية تناسب المصالح الأميركية وتعيد صياغة ملامحها بناء على توصيات المخططين بهندسة انطباعات سياسية في العالم الإسلامي لإدارة علاقة واشنطن بأطراف ما يدعونه الانقسام السني الشيعي الذي اشتغلت الولايات المتحدة على تعميق حضوره إعلاميا وسياسيا منذ أربعة عقود بالشراكة مع الحكومات العربية المحافظة وإسرائيل والتنظيم العالمي للأخوان المسلمين وبصورة خاصة من خلال نهج كل من حكومتي المملكة السعودية وتركيا .
ثانيا يمثل صمود الدولة الوطنية السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد صفعة عنيفة ومزلزلة للسياسة السعودية رغم ما ألقت به المملكة السعودية من إمكانات ضخمة مالية وعسكرية لتدمير الجمهورية التي رفضت الاعتراف بإسرائيل وتمسكت باستقلالها في مجابهة الغرب الاستعماري بعيدا عن “النصائح” والإغراءات السعودية القطرية والتركية الفرنسية.
هذه الدولة التي بشر أمراء آل سعود بوقوعها في قبضتهم غير مرة خلال السنوات الأخيرة وتمنوا انهيارها وعملوا عليه صمدت وقاومت رغم ما دفعت به المملكة من حشد إرهابي تكفيري سعودي ومتعدد الجنسيات وما صرفته من المال لدعم الانخراط التركي في العدوان على سورية ولتطويع الجامعة العربية واستعمالها وكذلك لشراء البيانات والتصريحات العالمية المعادية لسورية وقد باتت المملكة تخشى اليوم ان يتم التسليم بدور حاسم للرئيس بشار الأسد وان تتكيف الولايات المتحدة مع ذلك في إطار أي عملية سياسية مقبلة بفضل التوازنات التي بنيت على صمود الجيش العربي السوري ومؤسسات الدولة الوطنية وبفضل صلابة الرئيس الأسد الذي انتزع ثقة حلفائه الذين سارعوا إلى دعمه والمشاركة في ملحمة الصمود السوري بقيادته وخصوصا حزب الله وإيران وروسيا … المملكة مرعوبة من شبح إعلان انتصار الأسد الذي يخيم فوق قصور الرياض الملكية وهو ما سيقود إلى زلزال في الواقع العربي .
ثالثا وظفت المملكة السعودية إمكانات ضخمة في مجابهة إيران منذ سقوط الشاه حليف الرياض ومرشدها في التبعية للغرب وفي العلاقة بإسرائيل منذ الحقبة الناصرية .
حين رضخت الولايات المتحدة واضطرت مجبرة إلى توقيع الاتفاق النووي سلمت بصعود القوة الإيرانية وشعر آل سعود بأنهم كانوا كالزوج المخدوع لأكثر من ثلاثين عاما من غير ان يراجعوا مبدأ تبعيتهم للسيد الأميركي طبعا وهذا الكابوس يفسر الكثير من الارتباك السياسي لا سيما امام تمرد العديد من حكومات العالم الإسلامي تحت المظلة الأميركية على الرغبات السعودية وخلال الأيام المقبلة سوف تتسارع ملامح هذا التغيير في الظهور بينما تعيش المملكة حسرة الخسارة في سباق مع الزمن ربحته إيران بكل هدوء وحصدت نتائج تضحياتها وصمودها أمام حصار شديد وخانق كانت المملكة أكثر المتحمسين له توترا وعدوانية والحصيلة التي يخرج بها أي عقل حكيم هي ان الولايات المتحدة استعملت السعودية لمحاربة إيران ومحاصرتها ثم ذهبت من دونها نحو التفاهم مع إيران وهي تقدم نفسها الآن وسيطا بين الرياض وطهران وهذه فكرة من المحرم نقاشها في الإعلام السعودي بالطبع.
رابعا أسقطت قيادة حزب الله جميع المحاولات السعودية لإثارة الفتنة المذهبية في لبنان خلال السنوات الماضية وهي نجحت بذكاء في فرض توازنات لبنانية جعلت من الحزب مرجعا إلزاميا في رسم التوازنات المحلية والهوامش والأحجام السياسية داخل لبنان وبينما ينتزع الحزب من خلال دوره السوري مجالا جديدا لتطوير مقاومة سورية في الجولان المحتل يظهر بوصفه الحاضن المعنوي الوحيد لمقاومة فلسطينية جديدة تتشكل مع ترسيخ العلاقات السعودية الإسرائيلية بينما الخرافة السعودية عن عملية السلام الأميركية سقطت وشبعت موتا.
كل ذلك يقض المضجع السعودي ولا يقاس بجزء يسير من المهلكة اليمنية ومن رعب ارتداد الإرهاب الوهابي التكفيري إلى اعناق مشغليه وداعميه ومموليه وتبدو المملكة اليوم كمن ينزلق في هوة موحلة يتدحرج إلى الأسفل كلما ظن انه يتحرك ليخرج منها.
الردود السعودية على التحديات بتدابير ومواقف عدائية تسعر الصراع بوتائر عنيفة وعبر مواصلة الرهانات التي تغذي محركات المأزق الاستراتيجي للمملكة التي تدور قيادتها في حلقة مفرغة تراكم المزيد من الخسائر .