بقلم غالب قنديل

عملية فيينا وتحدي تقطيع الأوردة

viiena

غالب قنديل

نجحت الديناميكية الروسية في فرض معادلات جديدة ببلورة إطار دولي وإقليمي جديد للتعامل مع تحدي الإرهاب التكفيري الذي استحضره الأميركيون وأعوانهم إلى سورية للنيل من الدولة الوطنية السورية وبينما جرت مبالغات في تحميل لقاء فيينا بذاته اكثر مما يحتمل تظهر الوقائع أن الصراع مستمر وأن الولايات المتحدة وشركاءها في العدوان على سورية ما زالت لديهم رهانات يسعون لاختبارها ولم يذعنوا لحقيقة الفشل الذي منيت به خططهم ومحاولاتهم.

بالتأكيد تساقطت كتلة من الرهانات والأوهام خلال خمس سنوات وقد شكل صمود الشعب العربي السوري والدولة الوطنية وقواتها المسلحة بقيادة الرئيس بشار الأسد الصخرة التي صنعت تحولات كبرى في العالم والمنطقة عكستها توازنات فيينا من خلال تقدم الدور الروسي الصانع للتوازنات الدولية الجديدة وعبر فرض الاعتراف بدور إيران الرئيسي إقليميا ودوليا إثر توقيع الاتفاق النووي ومباشرة تفكيك منظومة الحصار والعقوبات ولأن معركة سورية هي القلب في الصراع على مستقبل العالم فقد كان طبيعيا ومنطقيا ان تظهر التغييرات تحت العنوان السوري .

فرض التوازن الجديد الاعتراف نظريا بأولوية القضاء على الإرهاب وهو ما كانت ترفضه الولايات المتحدة ودول الناتو وحكومات العدوان على سورية في المنطقة وخصوصا تركيا والسعودية وقطر كما فرض الإقرار نظريا بحقيقة أن العملية السياسية السورية يجب ان تجري باستقلال محررة من أي ضغوط او شروط خارجية وحددت الغاية من خلال المباديء التسعة بصورة تقارب مشروع الحل الذي طرحه الرئيس بشار الأسد قبل سنتين بحيث تضمن بيان فيينا تأكيدا على وحدة الدولة الوطنية السورية العلمانية وسيادتها وعلى كون إرادة الشعب السوري مرجعية القرار بشأن البنيان الدستوري والسياسي للدولة.

الحلقة المركزية الغائبة عن بيان فيينا كانت الالتزام الواضح بتقطيع أوردة شبكات الإرهاب متعددة الجنسيات في سورية وهذا الأمر يصطدم حصريا بحكومات ما تزال مصممة على مواصلة العدوان وتصعيده : الولايات المتحدة وجوقتها الأوروبية والسعودية وتركيا وقطر ولدى هذه الأطراف أوهام سياسية بالقدرة على تحقيق فرص لإدخال تعديلات على بنية الدولة السورية تتيح الحد من خيارها الاستقلالي والتأثير على هويتها كدولة مقاومة في المنطقة.

في ظل استمرار التفاوض مع روسيا والرضوخ للتوازنات الجديدة القاهرة التي حصدها الصمود السوري واصلت الإدارة الأميركية وحكومات تركيا وقطر والسعودية إرسالياتها من المال والسلاح والمسلحين إلى سورية وتم تصعيد كبير في كمية ونوعية الأسلحة التي جرى تزويد الجماعات الإرهابية بها ففتحت المستودعات وأخرجت آلاف الصواريخ السعودية وشحنت إلى تركيا ووصلت بواسطة المخابرات التركية في زمن قياسي إلى مستودعات عصابات الإرهاب داخل الأراضي السورية ومعها كميات من الأموال القطرية والسعودية التي دفعت خلال الأسابيع القليلة الماضية وبينما يتواصل انخراط المخابرات التركية في قيادة فصائل التركمان والإيغور والطاجيك على الأرض في أرياف اللاذقية وإدلب وحلب حيث يتواجد ضباط وعسكريون أتراك وفقا للعديد من التقارير الصحافية .

إن أحد أخطر المظاهر المستمرة لدعم الإرهاب ما يزال في دور تركيا المحوري بتأمين البنية التحتية الاقتصادية لداعش والنصرة من خلال خطوط نهب النفط والآثار وبعدما قامت تركيا وقطر والسعودية بتوحيد هاتين القوتين المتحدرتين من شبكة القاعدة وحيث يجري استخدام ما يسمى بالفصائل المعتدلة لنقل السلاح إلى هذين الفصيلين وهي عملية مستمرة تشرف عليها المخابرات الأميركية للتنصل من تبعات الدعم المباشر للإرهاب وقد اعترف البنتاغون بأن جميع الشحنات الأميركية من السلاح والذخائر بلغت مستودعات داعش والنصرة اللذين يعملان بالشراكة مع الوحدات الأخوانية المتعددة التي تتلقى مساندة تركية مباشرة أيضا .

عملية فيينا هي عملية ممتدة ولن تنحصر في لقاءات محدودة العدد فهي الصيغة الروسية لتكوين مجموعة اتصال دولية إقليمية تراهن القيادة الروسية على استخدامها في تمكين الحكومات المتورطة من التراجع عن دعمها للإرهابيين وصولا لتنفيذ قرارات مجلس الأمن بإغلاق الحدود السورية ومعاقبة الجهات غير الملتزمة بالتدابير الخاصة بوقف دعم الإرهابيين في سورية .

هذه المسألة حاضرة على طاولة فيينا في الموقفين الروسي والإيراني وتواجه معارضة عنيدة من الفريق الذي تقوده الإدارة الأميركية وقد حاول الجانب الروسي تفكيك هذه الجبهة من خلال مناقشة تصنيف الجماعات المسلحة بين الفصائل الإرهابية وما يسمى بالمعتدلين الذين ما زال الوزير سيرغي لافروف يبحث عنهم وقد تحولوا إلى تجار سلاح وتموين في تركيا والمناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية لحساب الفصائل الإرهابية وخصوصا داعش وجبهة النصرة .

حلقة تقطيع الأوردة هي الحلقة المركزية التي سيدور حولها الصراع في فيينا وما عداها هو مضيعة للوقت والجهد السياسي طالما تصمم الولايات المتحدة على أوهامها المشتركة مع الحكومات الإقليمية التابعة بإمكانية التأثير على مستقبل سورية السياسي عبر الانتخابات المشروطة واقعيا بالقضاء على الإرهاب وبمحاولة السير إلى تعديلات تسبق ذلك في بنيان السلطة السورية تتيح إشراك عملاء في الحكم يمكن الاعتماد عليهم في التصدي لخيار الرئيس الأسد الوطني الاستقلالي المقاوم الذي هو بيت القصيد وما سيبقى بيت القصيد في كبح جموح المعتدين هو توازن القوى العسكري ففي الميدان تتقرر السياسة والكف عن دعم الإرهابيين هو الترجمة البدائية لمبدأ أولوية مكافحة الإرهاب الذي يريد المعتدون تفريغه من محتواه .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى