ماذا يكشف كلام أوباما ؟
غالب قنديل
المتابع لمؤتمر الرئيس باراك اوباما الصحافي ولحواره المتلفز مع الكاتب الأميركي توماس فريدمان يخرج بمجموعة من الخلاصات في فهم الرؤية الأميركية لاتفاق فيينا ولسياسات واشنطن المقبلة في المنطقة والعالم .
أولا عرض الرئيس الأميركي خلفيات اتفاق فيينا وبدائله الواقعية انطلاقا من طبيعة التوازنات الحاكمة لخيارات الولايات المتحدة في التصدي للصعود الإيراني منذ سنوات وهو قدم ما توصلت إليه مباحثات إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد بوصفه أفضل الممكن واستفاض في شرح بنود التفتيش والإلتزامات المتصلة بالتسلح النووي وركز بشكل خاص على ما اعتبره الإنجاز الأهم في الاتفاق وهو تأخير البرنامج النووي الإيراني لسنوات عن بلوغ عتبة القنبلة التي ليست عمليا ضمن خطط إيران بالأصل ولكنها قدمت في الخطاب الأميركي والغربي والصهيوني خصوصا بوصفها الخطر الداهم وتم تحويلها لذريعة تبرر تدابير الحصار والعقوبات والنهج العدائي ضد إيران من قبل الدول المالكة لترسانات نووية عملاقة والداعمة لترسانة نووية صهيونية في فلسطين المحتلة تهدد المنطقة بأسرها.
يعترف أوباما مواربة بتبدل التوازنات العالمية وبتعذر مواصلة فرض عقوبات أممية جديدة على إيران ومن غير شرح الأسباب والخلفيات تخطى حقيقة نشوء توازنات عالمية جديدة تحد من الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم ومفاعيل الشراكة الروسية والصينية مع إيران وانعكاساتها على التوازن في مجلس الأمن الدولي ليشيد بما اعتبره الدور الروسي الإيجابي والبناء في المساعدة على الوصول إلى اتفاق فيينا وهو سبق ان قدم التنويه ذاته للجهد الروسي في تسوية الكيماوي السوري ! هكذا يقود اوباما منطقه في طريق التكيف مع التحولات العالمية القاهرة دون التصريح بذلك ومن غير التخلي عن عنجهية الإمبراطورية العظمى .
ثانيا يدرك صناع السياسة الأميركية معنى كلمات اوباما فخيارات المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة اتجاه إيران حسمت لصالح الحل التفاوضي منذ هزيمة إسرائيل في عدوان تموز 2006 وجميع محاولات اختبار البدائل تساقطت تباعا وصولا إلى خريف 2013 عندما أرغمت الولايات المتحدة على سحب أسطولها وتهديداتها بضرب سوريا فقد أكدت التجارب خلال سنوات التفاوض الصعب رسوخ البيئة الإقليمية التي أقامتها إيران مع شركائها في محور المقاومة وحلفائها الدوليين وحصنت بها قدراتها الرادعة استراتيجيا بحيث أسقط من الحسابات الأميركية للمخاطر والتكاليف احتمال اعتماد الخيار العسكري في خطط ضرب القوة الإيرانية واعتراض تناميها ولذلك كان واضحا ان قرار التفاهم مع إيران حول برنامجها النووي هو خيار حسمته المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة ولم يكن خيارا منفردا لحزب أو رئيس منذ وثيقة بيكر – هاملتون.
ركز الرئيس الأميركي جانبا مهما من كلامه لمخاطبة إسرائيل ومن خلالها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ولمناقشة ما وصفه بمخاوف بعض الحكومات الإقليمية من نتائج الاتفاق النووي كما قال أوباما الذي تباهى بما قدمه كرئيس للولايات المتحدة من دعم ومساندة لإسرائيل في جميع المجالات مشددا على التزام اميركي معروف ومستمر بدعم الكيان الصهيوني وبمضاعفة قدراته العسكرية والاقتصادية وكذلك في تأكيد التزام إدارته بما تعهدت به في لقاء كمب ديفيد الذي ضم الحكومات الخليجية الحليفة للغرب والتي تعمل واشنطن لدفعها في طريق التكتل العلني مع إسرائيل بينما منعتها لسنوات من تلبية نداء الشراكة وحسن الجوار الصادر عن إيران وأقحمتها في انشطة عدائية سياسية وعسكرية وإعلامية ضد إيران ثم أقبلت مع دول الغرب الأخرى على مصالحة إيران وطلب الشراكة معها دون أي اعتبار للمتورطين العرب في حملات الاستعداء وحروب التطويق والاستنزاف منذ عام 1979.
ثالثا كان أوباما موضوعيا في اعتبار الاختلاف الإيراني الأميركي حول الموقف من إسرائيل احد اهم محاور استمرار الصراع السياسي بين واشنطن وطهران خلال المرحلة المقبلة إضافة إلى الاختلاف العميق حول التطورات والأحداث في العديد من بلدان المنطقة حيث تحدث اوباما عن تدخلات إيرانية لا تمثل في الواقع شيئا من حجم تدخل الولايات المتحدة وحلفائها وخصوصا إسرائيل وعرب اميركا لدعم جماعات الإرهاب والتكفير والعبث باستقرار الدول المستهدفة وبالذات سوريا واليمن والعراق حيث تدعم إيران جيوشا وطنية ومقاومة شعبية في وجه القاعدة وداعش ومعهما الحلف الأميركي الغربي الخليجي الأردني التركي .
اعتبر الرئيس الأميركي اتفاق فيينا فرصة لتنشيط المساعي السياسية والحقيقة هي انه فرصة لاحتواء النتائج والتداعيات الخطيرة لحروب عدوانية غاشمة تقودها الولايات المتحدة جهارا وفاقمت من خطر ارتداد الإرهاب الذي يطمح الرئيس الأميركي إلى التعاون مع إيران في التصدي له بعد اتفاق فيينا وهو يعول بوضوح على الحبال التي يمدها الرئيس فلاديمير بوتين لتسهيل التراجعات الأميركية وإخراجها وقد نوه باتصالات الرئيس الروسي به مؤخرا رغم استمرار الخلاف الأوكراني.
إضافة إلى ما يفيض به مضمون كلام أوباما عن المفاوضات الصعبة والندية الإيرانية فهو يقر بصلابة القيادة الإيرانية في التمسك بموقفها المبدئي من الكيان الصهيوني ومن قضية فلسطين ورفضها أي مساومة على هذا المبدأ تماما كما رفضت إقحام قضايا إقليمية أخرى في مساومات تفاوضية لمنع الغرب من ابتزاز رغبتها في التخلص من العقوبات واستدراجها إلى تنازلات سياسية قد تمس مصالح حلفائها وخصوصا الدولة الوطنية السورية وحزب الله والقوى الوطنية اليمنية والبحرينية وهذا أمر جاهرت به القيادة الإيرانية دائما في عرض استراتيجيتها التفاوضية حول الملف النووي منذ سنوات وبرهنت الأحداث على مصداقيته.