بقلم ناصر قنديل

من هي إيران التي تشغل بال العالم؟

nasser

ناصر قنديل

– خلال خمس وثلاثين سنة بعد الثورة، عرفت إيران حرب دمار شامل استنزفتها بعد ثورتها الفتية لعقد كامل، لتكون بدايتها ما بعد الحرب قد تمّت من تحت الصفر الذي تسلمت معه الثورة بلداً يحتاج إلى إعادة بناء في كلّ شيء، من السياسة إلى الاقتصاد إلى العسكر إلى الثقافة، لكن هذه المرة تحت عقوبات قاسية ورثتها من ما قبل الحرب وأثنائها، لكنها رافقتها لما بعدها، لتنفق سنواتها العشرة الممتدة حتى مطلع القرن الواحد والعشرين في إعادة البناء في ظروف غاية في القساوة.

– خلال خمسة عشر سنة بدأ الصعود الإيراني، متزامناً مع حدثين هما، انتصار المقاومة في لبنان على «إسرائيل» بفرضها بالقوة تحرير جنوب لبنان من الاحتلال، وبدعم إيراني واضح، من جهة، ووصول المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض، وبيدهم قرار حرب تطاول العراق وأفغانستان لتطويق إيران وترويضها ووضعها ضمن ثنائيات الاحتواء المزدوج الأميركية، من جهة أخرى، بعدما توافرت لأميركا أول فرصة للتفرد بقيادة العالم وفرض إرادتها عليه، مع تفكك الإتحاد السوفياتي، وحروب شرق أوروبا، وانضمام التركة السوفياتية إلى الإتحاد الأوروبي من جهة، وإلى النفوذ الأميركي المباشر في وسط آسيا من جهة مقابلة.

– خلال خمس عشرة سنة، شهد العالم حروباً متنقلة قادتها واشنطن ومحورها كسر إرادة إيران، أو ترويضها واستيعابها، أو احتوائها على الأقل، ويمكن القول أنه في زمن التنحي الروسي والصيني عن تحدي المشيئة الأميركية، وقفت إيران وحدها تقاتل وتناور وتبني، كقوة متمردة على المشيئة الأميركية، وبدأت واشنطن تجني ثمار فشل حروبها في إضعاف إيران وترويضها، حتى صار التندر بالقول أن أميركا تخوض حروباً وتهدي النصر لإيران، وإيران تبني، طاقة نووية، وخبرات علمية، ومصانع ثقيلة، وزراعة تحقق الاكتفاء الذاتي، وجامعات وصروحاً علمية تضاهي ألمانيا واليابان، وتصير بين الدول العشر الأولى في العالم في البحوث العلمية وحماية البيئة والتخطيط المدني، لكنها الأولى في العالم في إنتاج الصواريخ وامتلاك قدرة التحرك العسكري في مدى حيوي يمتد على مساحة الشرق الأوسط.

– قفزت إيران إلى مرتبة تخطت كل ما قبلها ومن قبلها، في تراتب أهمية ومكانة الدول، وصارت الواحد من سبعة، ومعها الستة الكبار، والأهم كيف فرضت إيران على أميركا للمرة الأولى، أن تفاوض مع التسليم بأن إيران لن تعترف بـ»إسرائيل»، ولن توقف دعمها لخيار المقاومة، فتضطر أميركا القبول، كما قال بنيامين نتنياهو صادقاً ذات مرة، بحضور الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي وقف يتعهد بعدم توقيع اتفاق يسمح لإيران بامتلاك قنبلة نووية، ليرد نتنياهو، المؤلم أن أصدقاء «إسرائيل» سيوقعون اتفاقاً مع دولة تتعهد علناً بتدمير «إسرائيل»، ويريدوننا أن نطمئن.

– الاتفاق مع إيران قيد الولادة، مهما كانت التفاصيل التي سيتحدث عنها الكثيرون، ويعزي البعض أنفسهم باختراع تنازلات إيرانية للقول إن أميركا فرضت إرادتها، ويقول آخرون إن هناك اتفاقات سرية، سيدفع ثمنها حلفاء إيران، بينما تمضي إيران وحلفائها، للاحتفال بالنصر، وللأسف ليس بين العرب من يسأل عن القيمة المضافة التي امتلكتها إيران الأقل قدرة من مجموع قدرات العرب المالية والسكانية وامتدادهم الجغرافي، وتمكنت بفضلها من فعل ما عجز عنه العرب، وخلال زمن يعادل أضعاف ما أنجزت خلاله إيران ما أنجزت.

– ألف مبروك لإيران ولقوى المقاومة النصر القادم، فجر تحول جديد في العلاقات الدولية، مدخل فهمه الجواب عن سؤال، هل شهد التاريخ دولة مثل إيران ينفق قادة الديبلوماسية في العالم وفرق خبرائهم أكثر من ألف ساعة تفاوض للوصول إلى اتفاق معها؟

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى