“عاصفة الحزم” ومأزق الأهداف
غالب قنديل
تتأرجح الأهداف السياسية من الحرب السعودية الأميركية على اليمن ويتضح أنها في مأزق وارتباك كبيرين وفقا لما تعلنه قيادتها بصورة يومية وما تروجه الآلة الإعلامية المواكبة لغارات جوية متلاحقة لم تحقق سوى تدمير منشآت مدنية ومواقع معدودة للجيش اليمني بينما خلفت مجموعة من المجازر احرقت اطفالا ونساءا وشيوخا من السكان والنازحين في مناطق يمنية متعددة وهي لا تذكر سوى بصور ضحايا الغارات الإسرائيلية في مصر وسورية وغزة وجنوب لبنان خلال العقود الماضية.
أولا شكل الرهان على فعل الهجمات الجوية محور الحرب الرئيسي وقد صدرت في البداية تأكيدات بعدم الحاجة للعمليات البرية وكان الشعار السياسي الأول دعم الرئيس السابق منصور هادي وتمكينه من العودة إلى عدن وإقامة مقر آمن لحكومته تحت مسمى الشرعية التي تطعن بها قوى يمنية عديدة بواقع انتهاء ولايته مرتين واستقالته مؤخرا قبيل اندلاع الهجوم الكبير على البلاد.
حسابات المخططين كانت تقوم على فرضية ان تسمح الضربات الجوية بتبدل سريع في المعادلات على الأرض وبالتالي أن تفرض انكفاء الجيش اليمني واللجان الشعبية التي يقودها انصار الله بمشاركة حلفائهم عن محافظات الجنوب اليمني بما يتيح السيطرة لقوات القاعدة وداعش وجماعات منصور هادي وهو الخليط الذي يسميه إعلام الحرب السعودية بقوات القبائل .
ما جرى إلى اليوم هو العكس تماما ففي مناخ مواجهة العدوان السعودي نهضت قوى شعبية يمنية واسعة للمقاومة ولاستكمال تطهير البلاد من أدوات العدوان وخصوصا من قوى الإرهاب التكفيري وهو ما أتاح تقدما ملحوظا في الميدان لقوات الجيش واللجان الشعبية نحو عدن وفي محافظات الجنوب إجمالا حيث تدور معارك متواصلة لا تشير إلى نجاح الرهان السعودي الأميركي مما أعاد طرح فكرة الغزو البري سواء عبر الحدود ام من خلال الإنزال البحري لقوات مشاة بمؤازرة الأساطيل الأميركية التي تشارك في قصف اليمن ويبدو ان قيادة المقاومة اليمنية تتصرف بهدوء وبأعصاب باردة وتدرس ردودها وتسعى للاحتفاظ بزمام المبادرة على الأرض وهو ما يدخل الضربات الجوية في حلقة مفرغة على صعيد محاولة الإخلال بموازين القوى وبينما تنكشف أكثر فأكثر مساعي حلف العدوان لفرض التقسيم ولإدارة حرب أهلية يمنية طويلة المدى كحد ادنى تطمح إليه.
ثانيا طرحت قيادة العدوان في التعامل مع حركة انصار الله ثلاثة أهداف متباينة دفعة واحدة: إخضاعها لصيغة تسوية تكرس رئاسة هادي ، إرغامها على إلقاء السلاح ، وإبادتها كليا تحت مسمى القضاء على الحوثيين .
– تم الإعلان بداية أن سقف العمليات الجوية هو فرض العودة إلى الحوار والتسليم بشرعية منصور هادي وهذا ما رفضته الحركة التي اكدت التزامها بالحوار ورفضها لاعتبار هادي رئيسا شرعيا وأوضح متحدثوها مؤخرا ومع تحرك الاتصالات العمانية والجزائرية ان بند شرعية هادي هو مسألة مختلف عليها يفترض مناقشتها في الحوار ولا يجوز ان تكون شرطا مسبقا في اي حوار متكافيء بين القوى اليمنية .
– مع تصاعد ملامح الفشل في تحقيق أهداف الضربات الجوية على الأرض رددت الأدوات الإعلامية للعدوان هدفا هو نزع سلاح انصار الله وتحولها إلى حزب سياسي وهو هدف مستنسخ من حروب إسرائيل والولايات المتحدة وعرب “الاعتدال ” بقيادة المملكة السعودية وقوى 14 آذار اللبنانية ضد حزب الله وهي حروب فاشلة ومهزومة منذ العام 1993 حتى اليوم ويبدو مثل هذا الرهان في الحالة اليمنية وهما خالصا مستحيل التحقيق لأنه يفترض احتلال اليمن برمته وصولا إلى جبال صعدة التي ظلت عصية منذ قرون على جميع الغزاة فلا السلطنة العثمانية ولا الإمبراطورية البريطانية اللتين احتلت جيوشهما عبر التاريخ عدن ومحيطها تمكنتا من إخضاع شمال اليمن وجباله على امتداد اكثر من خمسمئة سنة حتى اليوم .
– الهدف الثالث الذي تردد ذكره أيضا هو القضاء على الحوثيين وفي هذا رهان على إبادة جماعة تضم ملايين الناس لها جذورها الضاربة في تاريخ اليمن العريق وترداد هذا الهدف دليل على هستيريا التخبط في الفشل والعجز عن تحقيق تغييرات فعلية في توازن القوى وهو في الواقع يكشف حالة من اليأس تحرك الأحقاد بعيدا عن عقلانية رسم الأهداف الواقعية لحرب كبرى قد تطول لسنوات مقبلة .
ثالثا التحديات التي تواجه المدافعين عن اليمن ليست بسيطة والأمر يتطلب خطة للمقاومة والصمود وأهمها بلورة جبهة وطنية متحدة تضم جميع القوى والأطراف والكيانات السياسية والشعبية المشاركة في مقاومة العدوان ومواصلة التحرك وفقا لخطة الدفاع الوطني التي طرحها السيد عبد الملك الحوثي وتبلور هذه الجبهة وقيادتها بتنوع نسيجها السياسي والعقائدي يوفر قوة سياسية منظمة في إدارة الصراع ويرسخ حالة الوحدة الوطنية اليمنية التي استنهضها العدوان وعجل في مسارها بعدما قامت قوى عديدة بتعديل مواقفها وخطابها السياسي نتيجة شن الحرب السعودية الأميركية وحيث بات الصمود ودحر العدوان ومنع العودة إلى الهيمنة السعودية الأميركية اولوية حاسمة تجمع عليها غالبية الشعب اليمني .
في هذا الإطار يمثل التفاهم مع القوى اليمنية في الجنوب أمرا لا مفر منه في وجه مراهنة المملكة السعودية على فرض الهيمنة في عدن ومحيطها واستعمالها منصة للحرب على الشمال اليمني وتحول حلف العدوان بعد ذلك إلى أسلوب إدارة الحرب الأهلية وإدامتها لتعويض العجز عن الاجتياح البري الذي يحذر خبراء اميركيون من تورط المملكة السعودية فيه لأنه سيجلب عليها مخاطر كثيرة وقد ينقل النار إلى داخلها كما بينت تقديرات مراكز التخطيط الأميركية .