الإنسان السيد والقائد وأشرف الناس
فاطمة طفيلي
يحار المتابعون في كل مرة يطل فيها السيد على جمهوره في مقابلة أو خطاب في تفسير مكونات هذه الشخصية الفريدة التي تتخطى حدود التوقّع والفلسفة وكل ما يساق من روايات تنسجها خيالات ما تزال عاجزة عن فهم وتقدير كنهها وما تتمتع به من صفات ومقدرة فائقة على الجمع بين الحكمة والمنطق وسهولة التعبير، بين البلاغة وبساطة القول، بين بعد النظر وشدة القرب من قلوب الناس وعقولهم، بين قوة البأس ومنتهى الإنسانية بين صلابة الموقف ودفق المشاعر الدافئة الواصلة إلى جمهوره مباشرة ومن دون منة الوسطاء، اجتماعيين كانوا أو نفسيين أو إعلاميين وسياسيين.
حاول الخبثاء وما زالوا يحاولون اللعب على الرابط الوطيد بين السيد وأهله أو أحبائه كما يطيب للسيد أن يسميهم وبأساليب مختلفة، لكن حصادهم كان الخيبة والفشل يتجرعون مرارته مع كل إطلالة أو ظهور لتلك الهامة التي تتصدر القلوب والعقول بلا منازع.
بحث المتخصصون في علوم الجسد ولغاته في حركات السيد وسكناته، وفي محبة الأهل والتصاقهم المذهل به والبالغ حد التماهي، وبقيت أبحاثهم قاصرة عن الإحاطة بتلك القراءات العفوية، والمشاعر التي لا تحتاج ترجمتها إلى وسائط الكتابة والتعبير المعروفة، بعدما بات الدم النابض فخرا وعزة لها المداد، يخط بلا خوف أو وجل وبلا انقطاع قصصا حقيقية لعشق قاربت وقائعه حدود الخيال، ولم تبارح خانة العقل الواعي والمدرك، حتى لأدق التفاصيل.
كيف للسيد وهو المضطر إلى مخاطبة جمهوره عبر شاشة صغيرة كانت أم عملاقة، وتكاد لقاءاته المباشرة بهم ان تحصى على الأصابع، والتي تصيب الجمهور بالهلع الشديد على سلامته بقدر ما تذهلهم الفرحة بلقائه، كيف لهذه القامة المنشغلة بمصير الأمة وبمواجهة أعتى الأعداء المتربصين، الذين لا يملون البحث عن وسيلة لاستهدافه جسديا ومعنويا، أن يكون قريبا بهذا القدر من القلوب والعقول، وكيف لذاك الرابط المتين من المشاعر المتبادلة أن يستمر ويكبر رغم حجم المخاطر وعظمة التضحيات. وكيف لهؤلاء الطيبين البسطاء أن يتصدروا صفوف البذل والعطاء، ساعين دائما إلى المزيد وشعارهم واحد لا يتغير: لبيك يا سيد…
علاقة السيد بجمهوره ، يكمن سحرها الوحيد في تلك الدرجة العالية من الإنسانية والالتصاق بما يعيشه هؤلاء، وهو من عاش وخبر حياة البسطاء ومعاناتهم، وهو المجبول بحب الأرض، والمكافح من أجل حياة أفضل، مقاوما عنيدا للخنوع والاستسلام، لم تغيره القيادة، بل زادته عشقا للشهادة والشهداء المنتصرين للحق والكرامة، يفاخر بشهادتهم وبطولاتهم، ويستشهد فلذه كبده في الصفوف الأمامية بمواجهة الأعداء.
هو الانسان الذي يحزن ويتألم ويبكي، والمحب للطرفة والضحكة يمررها بين الحين والآخر فتزيده صدقا وألقا. ويبتهج الناس لخبريات يسوقها بين الحين والآخر فترضي بعضا من حشرية محبيه الراغبين دائما بمعرفة المزيد عن أحواله واهتماماته وطريقة عيشه، ولا ننسى فرحهم عندما أخبرهم في أحد خطاباته بعيد عدوان تموز عن تجواله مع القائد الشهيد عماد مغنية في شوارع بيروت وتناولهم “البوظة”، حين بدوا وكأنهم يتحسسون مذاقها في أفواههم.
السيد قوي بشبعه كما هم أقوياء به، وقد أصر منذ البدايات على مخاطبتهم بأنبل الخطاب وأصدق التعبير: يا أشرف الناس وأطهر الناس، رغم سيل الانتقادات والاعتراضات وما واكبها من عصبيات وأحقاد، وهم في طليعة اهتماماته حتى في أكثر المواقف خطورة، يتصدرون الخطاب، يواسيهم ويبارك تضحياتهم حتى في محضر البيان رقم واحد. وهم كانوا كذلك، ويستمرون، يفرحون لفرحه ويغضبون لغضبه، معهم لا حاجة لشرح أو تفسير، يفهمونه مع الإطلالة الأولى يقرأون مراده قبل الكلام، فإن ابتسم يعني أنه مرتاح ومعه ترتاح القلوب وتطمئن، وإن علت جبينه مسحة حزن أو علامة تعب توجسوا وانقبضوا، ليهدأوا عند التماع ذاك البريق المشرق في عينيه. أما إن احتد وارتفع صوته فمعناه أن اليد على الزناد وأنهم على أهبة الاستعداد، جاهزون رهن الإشارة.
علاقة متبادلة بين قائد المقاومة وجمهورها كانت وسبتقى محط جدل وتساؤل، ولن يغير ذلك في كونها أساس القوة والمنعة، وفعل إيمان متبادل، تعززه التجارب المستمرة وسجل حافل بالانتصارات وما بعدها. علاقة تصح تسميتها بالمعادلة السهلة الممتنعة، التي تساوي صعوبتها مقدار بساطتها وصدقها، عنوانها التماهي بين المقاومة قيادة وجمهورا. معادلة سيسجلها التاريخ فريدة مميزة كفرادة هذا الزعيم وتميزه.