القاهرة وبوتين وسفير جديد في دمشق
ناصر قنديل
– تاريخياً كانت العلاقة المصرية – السورية هي الجسر الذي ينهض عليه الموقف العربي، وتاريخياً كان تعافي هذا الجسر علامة التعافي العربي، وكانت إصابته علامة العلة، من يوم صلاح الدين الأيوبي إلى أيام محمد علي باشا وجمال عبد الناصر في زمن الوحدة وحافظ الأسد في حرب تشرين، وما نهض للعرب مشروع حقيقي جدي في القاهرة أو دمشق إلا وكانت عينه على التوأم لتكتمل عناصر القوة، وما من مرة انفكت أو وهنت عرى العلاقة المصرية – السورية وكانت للعرب كلمة مسموعة، حتى المثلث المصري السوري السعودي كان تعبيراً عن الوهن ومحاولة للترميم، بتعويض ضعف مصر بفرض خصمها التقليدي شريكاً من حصتها في القرار العربي، فصارت مرحلة الثلاثية علامة الأزمة وليست علامة النهوض، ومنتجاتها تسويات للأزمات العربية البينية وليست حلولاً لأزمة الضعف والتراجع في الحال العربي.
– أسوأ المراحل العربية هي يوم تتأزم بين مصر وسورية، وأسوأ أسوئها هي يوم تكون السعودية طرفاً في ثنائية مع أحدهما في وجه الآخر، وبدايات الانفراج بعد الأسوأ هي عندما تبدأ العلاقات المصرية السورية تعيش حالة الدفء والثقة والتعاون خارج معادلات رفع العتب، وبقوة اليقين بالمصلحة والحاجة.
– في زمن ما قبل «الربيع العربي» كانت مصر والسعودية في ضفة وسورية في ضفة، ضفتان فرضتهما المواقف من الحربين «الإسرائيليتين» على لبنان وغزة، والتوصيف السعودي المصري للمقاومة ولدعم سورية لها بالمغامرة، والتورّط السعودي المصري أمنياً منذ عام 2002 في جبهة شرم الشيخ التي قادتها غونداليسا رايس لملاحقة المقاومين، وتلاها التورّط في الحرب على العراق والحربين «الإسرائيليتين» على المقاومة في لبنان وغزة.
– في زمن «الربيع العربي» مرت العلاقة المصرية السورية بثلاث مراحل، الأولى العهد الإخواني، حيث كانت مصر تحت الراية القطرية التركية تعلن العداء لسورية، وتمارس الخبث نحو السعودية ضمن الحلف الواحد تحت عباءة واشنطن، والثانية كانت مرحلة الثورة على الإخوان حيث كان الجيش المصري عماد هذه الثورة يدأب على التقرّب من الجيش في سورية ويستعيد روح التعاون في وجه الإخوان وإرهاب التطرف، والثالثة بعد وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم ممثلاً للجيش في كنف علاقة خاصة مع السعودية، فاستمرّ التواصل لكن بدفء أقلّ، وصار التجاذب داخل مركز القرار في القاهرة بين خياري مراعاة الرضا السعودي وصولاً إلى التموضع خلف سقف للعلاقة مع سورية ترسمه الرياض للقاهرة، وبين التطلع إلى لعب مصر دورها الخاص والمميّز من ضمن الحرص على العلاقة الخاصة بالسعودية، ولكن تحت سقف مصري خالص، يدرك أهمية ومحورية العلاقة مع سورية، ومقتضيات الأمن القومي الذي يصيب مصر بشظايا الإرهاب الذي تقاتله سورية نيابة عن كلّ العرب بمن فيهم السعودية التي تولت وفقاً لنائب الرئيس الأميركي إرساله وتمويله وتسليحه كيداً وحقداً وتآمراً.
– العلاقة الروسية بمصر عامل ترجيح للخيارات، فمصر الباحثة عن ذاتها تدرك أنّ مكانتها في العالم لا تختزل بحجم الفتات المتبقي من المائدة السعودية، وأنها في عيون العالم هي مصر أمّ الدنيا، وجاءت العناية الروسية الخاصة بمكانة مصر لتشجع القيادة المصرية على استيعاب فرصة لعب دور في الحلّ السياسي لسورية، وأصرّت موسكو على رباعية إقليمية لرعاية الحلّ تضمّ تركيا وإيران والسعودية لتموضعها في الصراع السوري، ومصر لضرورة دورها في الحلّ.
– دور مصري في الحلّ تراه روسيا مستنداً إلى تطابق سوري مصري في الموقف من الإخوان المسلمين وتشكيلات «القاعدة» المختلفة، وهو موقف ليس فيه مكان للمراوغة على الطريقة السعودية رجل في البور ورجل في الفلاحة ولا موقف تسويقي منافق على الطريقة التركية القطرية، وهذا يسمح لمصر عندما تتولى المساهمة في رعاية الحوار السوري السوري أن تكون موضع ثقة سورية، بأنّ هذين المكوّنين الخطرين خارج المعادلة بالمبدأ، ما عدا السهو والخطأ، والدور المصري عنصر اطمئنان مفترض للسعودية في اللحظة التي تستسلم فيها الرياض لقدر التسويات، والعجز عن مواصلة الحرب، لكن الدور المصري يستدعي ترميماً للعلاقة المصرية بسورية لا يلتزم التوقيت السعودي.
– الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يزور القاهرة مطلع العام المقبل وفي جعبته الكثير من الهدايا لمصر وقيادتها، لكنه ينتظر أن يتبلغ قريباً قراراً مصرياً برفع مستوى التمثيل المصري في سورية إلى مستوى سفير، وعودة العمل في المجال الثنائي السوري المصري إلى مستوى من العلنية والجدية والتشاور بدءاً من مستوى وزارتي الخارجية وصولاً إلى تبادل الموفدين الرئاسيّين.
– سفير مصري قريباً في سورية، قبل أن تسبق الكويت وتونس.
(البناء)