مزاعم وأحلام مستمرة
فاطمة طفيلي
في وداع كل عام تزدحم الآمال والتوقعات بأن يكون القادم أفضل، يحمل في طياته خلاصا مما حفل به سابقه من أحداث وأزمات، تصاعدت وما زالت، واضعة العالم بجهاته الأربع في مسار واحد بمواجهة أخطار أقل مفاعيلها قلب الموازين والإطاحة بنظم وأعراف لصالح الردة القاتلة الناطقة باسم الدين وهي منه براء.
إرهاب العصر الذي يشعل منطقتنا صنيعة الغرب الطامح للهيمنة على الموارد والثروات الطبيعية، وبلادنا تختزن الكثير منها، وفي طليعتها النفط والمياه، لم يكن وليد بضع من السنوات، فوجوده ممتد إلى تلك الفترة السوداء التي تآمرت فيها دول الاستعمار أو ما يسمى بالدول الكبرى المهيمنة على القرار العالمي بزرع تلك الغدة السرطانية المسماة “إسرائيل” في فلسطين، تحتلها وتتخذ منها منطلقا لمد أذرع التخريب في مختلف الدول العربية، ولا سيما تلك الرافضة للسيطرة والخضوع والتسليم ببقاء هذا الكيان الغاصب، حتى مع بدء انقلاب السحر على الساحر في المراحل الأخيرة.
تتوالى الأزمات والحروب، تتغير السيناريوهات وأشكال الاستهداف، يتبدل اللاعبون وتتفاوت الأهداف بأولوياتها انسجاما مع مصالح مراكز القرار العالمي، الآخذة في التبدّل نتيجة التغيير الحاصل في التوازنات ومراكز القوة، إلا أن بحار الدماء لا تزال تتوسع، ولهيب الحرائق إلى مزيد من الاشتعال وعبق دخانه يمتد ليصبح شاملا، فكيف السبيل إلى الخلاص والنجاة بأقل قدر ممكن من الأكلاف البشرية والمادية، وكيف للشعوب أن تتحصن لتقوى على المواجهة والاستمرار بانتظار الفرج؟.
لبنان البلد الصغير الذي سجّل في تاريخه أهم انتصار على “إسرائيل” أعتى قوة غاصبة في تاريخنا الحديث، صامد حتى الآن، رغم كل الأزمات الداخلية التي تضاف إلى أعباء مواجهة الإرهاب المزدوج الصهيوني، والتكفيري، الجاثم على حدوده والمتربص به من كل الجهات، تمرّس أبناؤه في فنون المواجهة والصمود على المستويين الداخلي والخارجي، ولكن…
إلى متى سنبقى قادرين على الصمود في ظل التشرذم القائم، ومع استمرار التمترس خلف الآراء الحزبية والفئوية الطائفية والمذهبية، وأين المصلحة في استمرار الواقع المتردي في بلد يتوسط مرجلا يغلي على نار أحداث تهدد بزواله ونهاية البقية الباقية من شعوبه على أبواب الفقر والتشرد وضياع الهوية والمستقبل معا؟؟.
اللبناني المنهك بفعل الضغوطات الاقتصادية والأمنية والأعباء المعيشية يمكن اختصار أمنياته للعام القادم بعناوين متواضعة لا تتعدى القدرة على العيش في بلد تكتمل مؤسساته الرسمية، تسوده العدالة الاجتماعية، يساوي بين أبنائه ويهتم بالمنتجين والمبدعين، تتوفر فيه فرص العمل المبنية على الكفاءة لا الواسطة والانتماء الطائفي أو السياسي، كي لا يضطر أبناؤه إلى الهجرة بحثا عن فرص العيش الكريم هربا من مهانة البطالة والموت على أبواب المستشفيات…
أحلامنا جميعا بكل طوائفنا وانتماءاتنا الطائفية والمناطقية ومستوياتنا الاجتماعية، تتلخص بالآتي:
– الأمن والأمان، وجيش قوي ممنوع المس به أو استهدافه وإهانته كما هو حاصل اليوم.
– المساواة والعدالة الاجتماعية، وقوانين تُطبق على الجميع مواطنين ومسؤولين بعيدا عن الاستنسابية والمصالح الضيقة.
– خدمات دائمة وغير موسمية.
– تعليم مجاني ومقاعد مدرسية وجامعية متوفرة للجميع.
– مستشفيات وأدوية لا تعرف للفساد طريقا.
– كهرباء لأربع وعشرين ساعة وفاتورة استهلاك واحدة.
– مياه صالحة للشرب تصل إلى بيوتنا وتكفينا عبء التفتيش عن شركة تبيعنا المياه الملوثة.
– فاتورة مياه واحدة توفر علينا مشقة شراء مياه الاستخدام حتى حين تجتاح مياه الأمطار منازلنا وتغرق شوارعنا.
– وسائل اتصال خالية من العيوب لا تنقطع عند الحاجة الماسة إليها رغم كلفتها الأغلى مقارنة مع دول العالم قاطبة.
– لقمة نظيفة خالية من الجراثيم والميكروبات.
– بيئة خضراء وهواء خالٍ من الملوثات والسموم.
– … باختصار شديد أحلامنا يمكن تلخيصها ببساطة بالقدرة على تحقيق ذواتنا كبشر في بلد يزعم مواطنوه وزعماؤه وضع القيم الإنسانية في طليعة أولوياتهم، فهل تتحقق مزاعمنا أم تبقى أضغاث أحلام ومجرّد هلوسات خيالية نتوهّم الأمل بتحقيقها مع كل عام جديد، لنعود سريعا إلى صدمة الواقع المرير؟!..