إيران وسورية ومستقبل الشرق
غالب قنديل
اللقاءات التي جرت مؤخرا في العاصمة الإيرانية وضمت وزراء خارجية إيران وسورية والعراق شكلت نقلة مهمة في مستوى الشراكة بين الدول الثلاث في مجابهة الإرهاب التكفيري والتصدي للمخاطر الداهمة التي تهدد المنطقة ولا شك ان مصلحة مشتركة للعواصم الثلاث تفرض تطوير التعاون ولكن الأبرز في الحدث هو التقدم المتواصل في وتيرة الحلف الإيراني السوري الذي يعمل بالاشتراك مع بغداد لبناء محور اقتصادي واستراتيجي أرادت القوى الاستعمارية قطعه وتعطيله من خلال غزوة داعش وما أعقبها من محاولات لتثبيت حاجز جغرافي وسياسي في العراق يعطل التواصل بين العواصم الثلاث بل وانكشاف التخطيط لتكريس خارطة عراقية تفسح مجالا واسعا للنفوذ الأميركي من جديد على حساب العراق ومستقبل علاقته بإيران وبسورية.
بين إيران وسورية يقوم تحالف استراتيجي صمد وتطور لأكثر من ثلاثين عاما وقد أثبت فاعليته وجدواه منذ أن وقفت سورية وحيدة بين الدول العربية إلى جانب إيران في وجه العدوان الذي شنته حكومة الرئيس السابق صدام حسين على الجمهورية الإسلامية بدعم من الولايات المتحدة ودول الغرب وحكومات الخليج التي حملت قسطا مهما من تمويل ذلك العدوان السافر ثأرا لسقوط نظام الشاه حليف إسرائيل الأول في المنطقة منذ قيامها باغتصاب فلسطين عام 1948 .
تلتقي دمشق وطهران منذ ذلك الزمن على اعتناق مباديء الاستقلال والتصدي للهيمنة الاستعمارية الصهيونية في المنطقة وهما تجتمعان وتضمان الجهود في دعم حركات المقاومة ضد الكيان الصهيوني الذي يمثل رأس حربة منظومة الهيمنة الاستعمارية .
تراكمت حالة من الثقة والشراكة والاحترام المتبادل في هذه التجربة المشتركة بين القيادتين السورية والإيرانية وفي العديد من المحطات والتجارب جاءت الحصيلة لتؤكد قدرة هذا التحالف على التقدم والاستمرار حتى عندما تملي خصوصيات المواقع السياسية تباينات ظاهرة في التقدير ما تلبث الأحداث ان تتكفل بتخطيها ففي التسعينيات كانت إيران في ذروة الصدام مع الغرب والولايات المتحدة عندما شاركت سورية في عملية مدريد التي رفضتها إيران وعارضتها علانية بينما استمرت وتعززت الشراكة بين الدولتين في دعم ورعاية فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية وقدمت سورية بإدارتها للتفاوض مثالا في الحرص على نهج المقاومة والثبات على المباديء والحقوق وفي الحصيلة ترسخت الثقة السورية الإيرانية وتعمق التحالف بين البلدين وتوسعت الشراكة بينهما في شتى المجالات وجاء انتصار المقاومة في لبنان عام 2000 تتويجا تاريخيا لثمار الحلف السوري الإيراني .
بذات القياس يبدو المشهد اليوم حيث تجري المفاوضات بين إيران والغرب في ظل استمرار العدوان الاستعماري على سورية لكن دعم إيران لصمود الدولة الوطنية السورية يتأكد أكثر من أي وقت مضى وترفض طهران جميع العروض والمساومات وتضع جميع إمكاناتها وقدراتها في رصيد المقاومة السورية للعدوان وقد لفظت جميع العروض والمساومات الغربية التي توخت إضعاف موقع القيادة السورية ومحاصرتها وخلال السنتين الماضيتين وانطلاقا من مأزق العدوان حرك الغرب والأميركيون خصوصا عشرات الموفدين إلى طهران لجس النبض حول إمكانية زحزحة الموقف الإيراني من الرئيس بشار الأسد ومن مستقبل الوضع السوري وقد رفضت إيران جميع العروض وسارت إلى النهاية في دعم صمود سورية ورئيسها وشرعيتها الدستورية والشعبية.
بالطبع جاءت الأحداث لتحسم حقيقة ان العدوان على سورية كان يستهدف المنطقة برمتها منذ البداية فالمخططون الغربيون والصهاينة الذين يديرون الحرب على سورية ومعهم الحكومات الإقليمية المتورطة وخصوصا التركية والقطرية والسعودية رسموا لإسقاط سورية أولا والتحرك بعدها نحو لبنان والعراق فإيران وبالتوازي مع تثبيت اعتراف رسمي عربي بالدولة اليهودية والتحضير للفصل الأخطر من عملية تصفية قضية فلسطين .
هذه القناعة شرعت تتأكد في طهران منذ أواخر عام 2011 وكانت القيادة الإيرانية يومها تختبر فرص التأثير على بعض المعارضات السورية لحثها على التجاوب مع مبادرات الحوار والحل السياسي التي اطلقها الرئيس بشار الأسد .
تيقنت إيران في الحصيلة ان بعض تلك الواجهات السياسية محكمة الربط بالمخطط الاستعماري وهي ناورت كثيرا للتستر على حقيقة ارتباطاتها التي بلغت مؤخرا على جبهة الجولان مرحلة بروزعلاقة مباشرة بين الجماعات المسماة “جهادية ” والعدو الصهيوني ولدى القيادة الإيرانية معلومات كثيرة مباشرة او منقولة بالوثائق من الشريك السوري عن حجم ومساحة الدور الإسرائيلي المباشر في قيادة الحرب على سورية .
الصمود السوري هو بمثابة كنز للمنطقة وشعوبها وقد كان من اهم العناصرالتي فرضت على الإدارة الأميركية اختيار خط التفاوض مع القيادة الإيرانية حول برنامجها النووي السلمي بعد اختبار القوة الكبير في خريف العام الماضي 2013 بينما تمثل هزيمة العدوان على سورية شرطا لا بد منه لتعافي العراق ولبنان ولنهوض المقاومة الفلسطينية بجميع مستوياتها الشعبية والعسكرية وهو هم إيراني يومي.
أكدت الأحداث ان ما يجري في سورية هو في طابعه الرئيسي عدوان استعماري يستهدف مكانتها ودورها المركزي في محور المقاومة وقد باتت القيادة الإيرانية أكثر يقينا من السابق بأن خيارها المحسوم في سورية مع الرئيس بشار الأسد والدولة الوطنية وقواتها المسلحة كان خيار التضامن إرادة الغالبية السورية الساحقة وهو خيار الدفاع الاستراتيجي عن المنطقة كلها وعن إيران كذلك وتتلمس طهران كل يوم مؤشرا جديدا على صواب الرؤية الاستراتيجية المبكرة التي قدمها قائد المقاومة اللبنانية السيد حسن نصرالله عن طبيعة المخطط الذي يستهدف سورية عندما كانت الصورة مشوشة لدى الكثيرين في المنطقة والعالم ممن فتنوا بخدعة الثورة المصنعة افتراضيا في سلسلة القنوات الفضائية الدولية والعربية المعروفة .
وحدة المواجهة دفاعا عن الشرق وشعوبه تفترض تطوير التعاون السوري العراقي الإيراني واللقاء الثلاثي الذي عقد في طهران يمثل بداية تستدعي استكمالا ومأسسة بحيث تقوم منظومة شراكة وتكامل اقتصادية ودفاعية بمستوى التحدي المصيري .