بوتين زعيم القرن
ناصر قنديل
– لم تحظ بسبب السيطرة الأميركية على وسائل الإعلام، الكلمة السنوية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الجمعية العامة للاتحاد الروسي بالحجم الذي تستحقه من الاهتمام، وهي قد حظيت بالاهتمام المناسب في مراكز الدراسات والبحوث الغربية، كتعبير عن تبلور استراتيجية الحرب البادرة الجديدة التي تقودها روسيا، وتبدو مصمّمة عليها مهما كانت التبعات والنتائج، وصولاً إلى تصحيح النظام العالمي سياسياً وقانونياً ومالياً وعسكرياً.
– الكونغرس الأميركي ردّ فوراً على الكلمة بقانون متشدّد لفرض المزيد من العقوبات على روسيا، وعلت صيحات الدعوة إلى عزل روسيا وتدفيعها ثمن التمرّد على المشيئة الأميركية غالياً، ما يعني أنّ المواجهة تتخطى في وصف حالتها الراهنة تعبير أنها ليست في طريق النهاية، بل هي فعلاً في طريق التصعيد.
– الرئيس بوتين يقول إنّ الاستقرار لا تحفظه التنازلات المتبادلة بل الاعتراف بالحقوق وإعادة الحقوق، أما التنازلات المتبادلة فهي تنازل صاحب الحق عن بعض حقه واحتفاظ المقرصن على الحق ببعض منه، وأنّ روسيا بحجمها السكاني والجغرافي ومواردها الطبيعية والاستراتيجية وقوتها العسكرية، لها الحق الكامل بشراكة ندّية في رسم السياسات التي يُدار عبرها العالم، وليس وارداً أن ترتضي روسيا إهانة مطالبتها بالتصرف كدولة من الدرجة الثانية.
– روسيا وفقاً لبوتين لا تهاب التهديد العسكري، وهي جاهزة للمواجهة إذا نشرت الدرع الصاروخية في أوروبا، وواثقة بقواتها المسلحة وبتحقيق النصر، ومستعدّة لتحويل العقوبات إلى محفزات لاقتصادها الكبير، وأول الردّ العفو المالي الذي يطاول كلّ الجرائم المالية لكلّ من تعود رساميله إلى روسيا، وهذا يطاول أكثر من تريليون دولار على الأقلّ، ما أثار الرعب الأميركي والغربي والهستيريا المصرفية.
– رداً على محاولة إعادة فتح ملف البحث في شبه جزيرة القرم في التسوية الأوكرانية، كتبرير لمواصلة العقوبات التي ترفضها موسكو وتصرّ على كونها شريكاً في حلّ لأزمة أوكرانية ـ أوكرانية، وتريد واشنطن تصويرها أزمة أوكرانية ـ روسية، فتستحضر القرم موضوعاً روسياً ـ أوكرانياً كعنوان، قال بوتين لا تحلموا بأن نقبل إعادة البحث بمصير القرم، فهي عندنا قدس الأقداس كما الأقصى للمسلمين والقيامة للمسيحيين والهيكل لليهود.
– كلام بوتين والردّ الأميركي يعنيان أنّ استمرار الموقع الأميركي المتفرد في إدارة الشؤون الدولية قد انتهى، وأنّ دولة تملك مقدرات الدولة العظمى هي روسيا، ومن ورائها الصين وإيران ودول كثيرة في العالم قد ضاقت ذرعاً بالتفرّد الأميركي، وتنتظر من يقود المسيرة، وأنّ الإمبراطورية بنظر من يتربّص للخلاص من هيمنتها وتسلطها وخبثها قد شاخت، وصارت مواجهتها ممكنة والنصر في هذه الحرب قابلاً للتحقيق، فالعبرة السورية قدمت الدليل على هذه الإمكانية، ومنحت الساعين إلى إنهاء الحقبة الأميركية أسباباً كافية للإقدام، والصمود الإيراني ومثله مصير شيخوخة حلفاء أميركا أسباب تكفي ليقول بوتين إنه لن نتراجع حتى يتغيّر العالم.
– بوتين يتقدم ليكون رجل القرن الواحد والعشرين.
(البناء)