هواجس اوباما السياسية وراء قرار تشديد الاجراءات الامنية د.منذر سليمان
يؤكد المسؤولين الاميركيين وباستمرار ان بلادهم لا تعاني من تهديد ارهابي حقيقي، وعلى الرغم من ذلك الاقرار اعلنت الادارة الاميركية، عبر وزارة الأمن القومي، عن تشديد الاجراءات الأمنية على كافة المرافق الحكومية في طول البلاد وعرضها، شملت نحو عشرة آلاف مبنى رسمي ومقرات للمحاكم. واوضح الاعلان على لسان وزير الأمن، جيه جونسون، ان “هيئة الوقاية الفيدرالية” مكلفة بتوفير الأمن وتشديد الحماية على “واشنطن وبعض المدن الاميركية الكبرى.” تزامن الاعلان مع حادثة اطلاق النار في البرلمان الكندي “من قبل شخص بمفرده.”
التبرير الرسمي للاجراءات الأمنية بدى واهياً وغير متماسك، اذ اعتبرها “احترازية” وليس بدواعٍ أمنية – او بناء على توفر معلومات حسية ومادية تشير الى تهديد يلوح في الافق. واوضح وزير الأمن ان الاجراءات اتخذت “.. نظرا لتنامي الضغط الشعبي وخشيته من (ترجمة) المجموعات الارهابية تهديداتها باسهتداف اراضي البلاد ومناطق اخرى، بما فيها الاجهزة الأمنية ومسؤولين رسميين ..”
توقيت اعلان الاجراءات مريب ايضا، اذ مضى على حادثة كندا بضعة ايام وكانت فردية ومحدودة ولا تشكل مبررا بحد ذاتها. لعل العامل الأهم هو مناخ الانتخابات النصفية القريب طمعا في تأجيج المشاعر الشعبية كي تصب في خدمة مرشحي الحزب الديموقراطي، سيما وهو يواجه تحديا حقيقيا ينذر بخسارته لاغلبيته في مجلس الشيوخ. يشار ايضا الى ثبات نتائج استطلاعات الرأي حول تدهور ثقة الناخبين بالرئيس اوباما وسياساته، مما حفز كل من الرئيس ونائبه جو بايدن تكثيف جولاتهم في طول وعرض البلاد لدعم المرشحين الديموقراطيين. في المقابل، يسخّر الحزب الجمهوري اموالا طائلة من خزينته للصرف على المقاطعات الميالة للحزب الديموقراطي واينما بزغ بريق أمل في النجاح.
تردي الاوضاع الاقتصادية في نظر معظم القواعد الانتخابية لا تزال تحتل رأس سلم الاولويات، اضيف اليها مسألتي الارهاب والسياسة الخارجية، اللتين تشكلان الخاصرة الرخوة للحزب الديموقراطي. واوضحت نتائج احد استطلاعات الرأي اجرته صحيفة “واشنطن بوست” بالتعاون مع شبكة “ايه بي سي” للتلفزة ان 60% من المستطلعة اراءهم “لا يثقون بالحكومة الفيدرالية” على معالجة التحديات الراهنة، وهي ذات النسبة التي اعترضت فيها القواعد الانتخابية على اغلاق مرافق الدولة العام الماضي فضلا عن ” فشل تطبيق” برنامج الرعاية الصحية – اوباما كير، لحظة انطلاقته.
ازمة الثقة في الاداء الحكومي في تدهور مستمر، خاصة فزع الشعب بأكمله من انتشار فيروس ايبولا، بعد رصد حالات عدوى متعددة، بالاضافة الى “تهديدات داعش.” الاستطلاعات المختلفة تشير الى ارتفاع نسبة الذعر بين المواطنين، بمعدل 3 الى 1، الذين يلقون اللوم والاخفاق على عاتق الرئيس اوباما والحزب الديموقراطي بدلا من حالة الشلل العملياتي الناجمة عن تشدد ممثلي الحزب الجمهوري.
الاخفاق الاكبر للرئيس اوباما بين الناخبين يتعلق بقدرته على مواجهة تحدي الارهاب، سيما وان اغلبية معتبرة من الشعب الاميركي اعربت عن عدم رضاها من آليات الرئيس لمعالجة تهديدات ارهابية متنوعة، كما اوضحت صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخرا. واسفرت نتائج الاستطلاع الذي نفذته الصحيفة عن عدم رضى 50% من الناخبين لاداء الرئيس في معالجة “التهديدات الارهابية،” مقارنة مع تأييد 41% للرئيس. يشار الى ان نسبة الاخفاق من اداء الرئيس هي الادني منذ تسلمه مهام منصبه الرئاسي قبل 7 سنوات. الاخفاق ايضا لقي صدى في احدث استطلاع اجرته وكالة “اسوشيتدبرس” الذي اسفر عن خشية 53% من الناخبين من ارتفاع خطر هجوم ارهابي داخل الولايات المتحدة، مقابل 12% يصنفونه بخطرٍ متدني.
كما يرصد المراقبون ارتفاع الكلفة السياسية للرئيس اوباما على خلفية عدم رضى الاغلبية لادائه. واوضحت يومية “وول ستريت جورنال” انها تقدمت بسؤال للناخبين حول تداعيات حادثة كندا واحتمالات تكرارها ضد مراكز شرطة في مدينة نيويورك، وايضا هل سيؤثر انتشار فيروس ايبولا داخل اميركا على اصواتهم. النتيجة، كما افادت، لم تكن مريحة سواء للرئيس اوباما او للحزب الديموقراطي.
واوضحت الصحيفة ان 53% من الناخبين اعرب عن نفوره من تأييد الحزب الديموقراطي، بينما نال الحزب الجمهوري عدم رضى بنسبة 40%. كما اشار نحو 35% من الناخبين الى دور اجهزة الاعلام وتغطيتها للاحداث في صناعة المزاج العام وانهم يميلون للتصويت لصالح الحزب الجمهوري ومرشحيه، في حين يميل نحو 25% للتصويت للحزب الديموقراطي. في انتخابات عام 2010، مثلا، تقدم الحزب الجمهوري تقدما طفيفا على خصمه الديموقراطي بنقاط سبعة بين الناخبين ومفاضلته على تولي قيادة مجلسي الكونغرس.
في احدث صفعة يواجهها الحزب الديموقراطي شرع المرشح عن الحزب في ولاية ساوث داكوتا، ريك ويلاند، الى توزيع عريضة بين زملائه المرشحين الديموقراطيين يطالب بتنحية زعيم الاغلبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، هاري ريد، عن منصبه واستبداله بكفاءة اخرى نظرا لان جولة الانتخابات الراهنة هي “صراع على قيادة جديدة في الكونغرس” تتميز بوضوح موقفها من المال السياسي “وابعاده عن (التأثير) على الكونغرس.”
محاصرة الرئيس اوباما والابتعاد عنه امام الجمهور ليست ظاهرة عابرة، سيما عند الاخذ بعين الاعتبار ان عددا لا بأس به من المرشحين الديموقراطيين يتبعون دوائر انتخابية كانت محسومة التوجه لصالح الرئيس في السابق. في ولاية هاوايي، مسقط رأس اوباما، فاز بها بنسبة 70% ابان الدورة الانتخابية السابقة. راهنا يصارع المرشح الديموقراطي، مارك تاكاي، للبقاء امام خصمه الجمهوري المتطرف والمحسوب على تيار حزب الشاي.
تجسد تيار الابتعاد عن اوباما وصل لفئة الشباب من الناخبين ايضا، الذين عادة ما يجري تصنيفها كخزان احتياطي لمستقبل الحزب الديموقراطي. في احد استطلاعات الرأي الذي رعته جامعة هارفارد العريقة، بين فئة 18-29 العمرية، اوضح ان نسبة 51% منهم يفضلون الحزب الجمهوري ومرشحيه مقابل 47% تؤيد الحزب الديموقراطي. ايضا في الجولة الانتخابية عام 2010، اعربت اغلبية 55% من الناخبين عن تفضيلها للحزب الديموقراطي مقابل 43 للحزب الجمهوري.
مع اقتراب يوم الاقتراع ووضوح توجهات فئة المترددين من الناخبين والمرجح ميل اصواتهم للحزب الجمهوري، فرضت تعديلات اساسية في استراتيجية الحزب الديموقراطي الانتخابية. الصيغة السابقة كانت متواضعة وتطمح للاحتفاظ بسيطرته على مجلس الشيوخ، وفي حال تعادل تمثيل الطرفين يدلي رئيس مجلس الشيوخ، نائب الرئيس جو بايدن، بصوته لحسم الجدل. اجواء المزاج الشعبي تدل راهنا على ترجيح كفة الحزب الجمهوري ربما بأغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ؛ بيد ان انتخابات عام 2016 المقبلة ستسفر عن خسارتهم مكانتهم القيادية، على الارجح، نظرا للمنافسة الشديدة على مقاعد التمثيل. يذكر في جولة الانتخابات المقبلة ستشهد تجديد الترشيح لمقاعد 7 ممثلين في مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري الذين فازوا بدوائر انتخابية عادة ما تميل للحزب الديموقراطي، وفاز بها الرئيس اوباما ولايتيه الرئاسية.
في تلك الحالة، سيتكيف الحزب الديموقراطي للتركيز على النيل من الممثلين الجمهوريين الجدد في دوائر الحزب الانتخابية؛ بينما كان التصور السابق ينصب على تسخير مكانة الرئيس الديموقراطي المقبل، كما يعتقد، لاعادة عقارب ساعة سيطرة حزبه على مجلس الشيوخ.
بيد ان المؤشرات الراهنة تدل على عكس تلك التوقعات، اذ يعتقد البعض ان فوز الجمهوريين سيكون بمعدل 55 مقعدا، مع الاخذ بعين الاعتبار اصطفاف ممثلين اثنين عن الخصم الديموقراطي الى جانبه: ماتشين عن ولاية ويست فرجينيا، وكينغ عن ولاية ماين.
ما يتبقى لاستراتيجية الحزب الديموقراطي، لانقاذ ماء وجهه، يستند الى خيارين متواضعين: مشاركة واسعة النطاق من قواعده الانتخابية التي دخلت في سبات عميق راهنا ولديها تحفظات على سياسات الرئيس اوباما؛ تفادي ارتكاب اي اخطاء قبل يوم الاقتراع من شأنها تأجيج قواعد الحزب الجمهوري تسهم في استقطاب اعداد اضافية من شريحة المستقلين لصالح الخصم. وعليه، يتبين ان اقصى ما يطمح اليه الحزب الديموقراطي في الايام القليلة الحرجة هو احباط اي هجوم ارهابي جديد قبل ادلاء الناخبين باصواتهم وحرمان الخصم الجمهوري من حشد القواعد الانتخابية للديموقراطيين لصالحه.
واستنادا الى جملة المعطيات الواردة، باستطاعتنا القول انها مجتمعة اسهمت في التوصل لقرار تعزيز الحماية الأمنية للمرافق الحكومية وتسخيرها لخدمة اغراض حزبية، مقرونة بتأرجح عدد من مقاعد التمثيل للحزب الديموقراطي وانتقالها للخصم. فوز مرتقب للحزب الجمهوري يرافقه هجوم ارهابي سيفرز اجواء مضطربة ومفاجآت غير سارة بالنسبة للرئيس اوباما.
لدى بدء الفرز واغلاق صناديق الاقتراع قد تدل المؤشرات المبكرة لولايتي نورث كارولينا ونيو هامبشير، اللتين يعاني مرشحي الحزب الجمهوري فيهما من اختلال التوازن لصالح الخصم الديموقراطي، على فوز الحزب الجمهوري، كما ان الحملة الدعائية المكثفة راهنا تشير الى تعديل النسب لصالح الحزب الجمهوري. في حال مالت رياح النتائج الانتخابية لصالح الجمهوريين في الولايتين وفي وقت مبكر من مساء يوم الانتخاب سيدل على تعزيز حظوظ الحزب الجمهوري للفوز بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ. ايضا، ان استطاع المرشحين الجمهوريين الفوز في ولايتي فرجينيا ونيو جيرسي، او احراز شبه تعادل، فان عصر الجمهوريين بدأ يتشكل على الرغم من مخاوف الحزب الديموقراطي في عقر داره.
ايضا وبنفس الأهمية ينبغي مراقبة نتائج الانتخابات على صعيد حكام ولايتي ويسكونسون ونيومكسيكو، سكوت واكر وسوزانا مارتينيز على التوالي، عن الحزب الجمهوري، واللتين يمتمتع الحزب الديموقراطي باغلبية بيّنة. في حال فوزهما المرتقب فان كليهما سيتحول الى مرشح محتمل لمنصب الرئيس عن الحزب في انتخابات عام 2016. يذكر ان ووكر ربح الجولة ضد نقابة المعلمين الذين طالبوا بحقوقهم، مما مهد له الفوز بالمنصب. مارتينيز من اصول اسبانية وتشكل مرشحا مرحبا به في الحزب الطامح للتقرب من قطاع المرأة من تلك الاصول ايضا.
اخيرا، سيخصص المرصد حيزا واسعا من اصداره لتناول نتائج الانتخابات وتجلياتها.