الإستجابة بفعالية للتحديات العسكرية في سوريا جيفري وايت
بينما يظهر بوضوح أكثر فأكثر أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تخطط لإنشاء قوة معارضة سورية معتدلة، يبدو أن نهج هذه الإدارة يرتكز على برنامج مطوّل من التجنيد والتدريب والانتشار، يُخصَّص في البداية لأغراض الدفاع لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»). وإذا تم تنفيذ هذه الخطة، فسيتوجب الانتظار وقتاً طويلاً قبل نزول عدد كبير من القوات على أرض المعركة. كما أن الخطة ستحد من الفعالية المحتملة لهذه القوات في المستقبل القريب إلى المتوسط وربما تُلزمها بمشروع طويل الأمد يُرجح أن تشهد فيه هزيمةً.
ويتوافق مفهوم الإدارة الأمريكية مع تركيزها على الارهاب باعتباره جوهر المشكلة في سوريا، ومع علاقاتها سيئة الحظ مع المعارضة المسلحة. وحيث تواجه الإدارة الأمريكية تعقيدات ناتجة عن وجود قوات مختلفة من الثوار المنتشرة على أرض المعركة، وعدم رغبتها في قبول ما يتعدى الحد الأدنى من المخاطر في دعم هذه القوات، وتركيزها على التكاليف والعواقب الناتجة عن أسوأ الحالات، تقدم هذه الإدارة برنامجاً ذو احتمالات محدودة للنجاح.
الواقع في سوريا
تفيد التقارير أن نهج الإدارة الأمريكية يتضمن العناصر الأساسية التالية:
– تجنيد أفراد من اللاجئين السوريين
– توفير التدريب العسكري الأساسي لهم في المملكة العربية السعودية أو ربما في الأردن
– إنشاء قوة أولية تضم 5 آلاف فرد، مع عمليات انتشار أولية في فترة لا تتعدى الستة أشهر، تتبعها زيادات إضافية
– استخدام عمليات الانتشار الأولية فقط للدفاع عن المناطق التي يسيطر عليها الثوار في مواجهة «داعش»، مع تجهيز القوات الهجومية لتكون مستعدة في غضون ثمانية عشر شهراً
وفي خضم ذلك، سيتم إنشاء هيكل قيادة لهذه القوة تربطه بعض الاتصالات بكيانٍ تابعٍ للمعارضة السياسية.
وتطرح هذه المنهجية المحدودة العديد من المشاكل المحتملة. الأولى من بينها هي جدولها الزمني المطوّل، في حين أن الأنشطة العسكرية للمعارضة وجيش النظام و «داعش» في سوريا لها عواملها المحرّكة والإيقاعات الخاصة بها التي تؤدي بدورها إلى إحداث تغييرات على المدى القريب على أرض المعركة. لذا فإن أي برنامج لا يسفر عن نتائج هامة على مدى عدّة أشهر يحمل في طياته مخاطر كبيرة. على سبيل المثال، من الممكن [أن تشهد سوريا] عدة أحداث رئيسية خلال ستة أشهر أو نحو ذلك، قبل أن تظهر أول زيادة كاملة في عدد القوات، تشمل 5 آلاف “مُدافع” على ساحة المعركة. وتشمل هذه الأحداث عزل مدينة حلب أو ربما سقوطها في أيدي قوات النظام، أو استيلاء «داعش»، أو ما يسمى بـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، على شمال محافظة حلب، أو تقدم «داعش» باتجاه دمشق، أو هزيمة قوات الثوار في شمال محافظة حماة من خلال شن حملات منفصلة للنظام ولـ تنظيم «الدولة الإسلامية». وليس هناك ما يؤكد حدوث أياً من هذه التطورات، ولكنها جميعاً ممكنة في ظل الوضع الراهن وستكون مضرة جداً، إن لم تكن مميتة، بالنسبة لاحتمالات نجاح الثوار في سوريا. وحتى لو استبعدنا سيناريوهات مماثلة، لا يمكن لأي كان، بما في ذلك الإدارة الأمريكية على ما يبدو، أن يتوقع هزيمة «داعش» أو حتى تدهورها بشكل كبير بحلول الوقت الذي تصل فيه القوات التي تدربها الولايات المتحدة. وباختصار، يمكن للقوة الدفاعية التي تخطط لها إدارة الرئيس أوباما أن تأتي في وقت متأخر جداً للعب دور فعّال.
وتكمن المشكلة الثانية، في أن عملية إنشاء قوة من المدافعين في وجه تنظيم «الدولة الإسلامية» لا تتلاءم مع طبيعة الوضع العسكري الحالي. فالثوار يقاتلون على جبهتين، الأولى ضد «داعش» والثانية ضد النظام، ويبدو أن هذه الجبهة الأخيرة تشكل الأولوية الأهم بالنسبة لهم، ولمستقبل سوريا في الواقع. بالإضافة إلى ذلك، فإن الثوار، في إطار حربهم ضد النظام، ينفذون عمليات دفاعية (في حلب ودمشق وحماة، على سبيل المثال) وهجومية (في القنيطرة ودرعا). ولا يمكنهم أن يتجاهلوا، كما لن يتجاهلوا، هذا الجزء من الحرب، لذا يتوجب على واشنطن عدم تجاهله أيضاً. إن طبيعة الحرب في سوريا تعقّد بالتأكيد استراتيجية الإدارة الأمريكية التي تقوم على مبدأي “العراق أولاً” و”الإرهاب دائماً”، ولكن هذا هو واقع الوضع الفوضوي، ولا بد للمقاربة الأمريكية من أن تواجهه.
وبشكلٍ أكثر تحديداً، إن تدريب الوحدات الأولية بهدف القيام بعمليات دفاعية بحتة من شأنه أن يحد من قدرتها على الاستيلاء على الأراضي عندما تسنح الفرصة، مما يثير المخاوف من أن تصبح هذه القيود متأصلة بين الثوار المعتدلين على المدى الطويل. فغالباً ما تكون ساحات المعارك السورية مرنة، على الأقل من الناحية التكتيكية، إذ تنتقل القوات بسرعة من الهجوم إلى الدفاع والعكس بالعكس. وليست هناك أي مجموعة في سوريا تحارب من موقف دفاعي بحت. فتاريخ القتال ضد النظام السوري وتنظيم «الدولة الإسلامية» يشير إلى أن فرص الاستيلاء على الأراضي ستبرز إما أثناء العمليات أو عندما تقوم القوات المعادية بإعادة نشر أفرادها أو بسحبهم. وفي الماضي، استغل الثوار مثل هذه الحالات لتوسيع المناطق الخاضعة لسيطرتهم. ومع ذلك، تشير التقارير الصحفية إلى أن خطة الإدارة الأمريكية لن تُسفر عن إقامة قوات هجومية مجهّزة بشكل مناسب قبل مرور ثمانية عشر شهراً على الأقل، إذا ما تم ذلك أصلاً.
وتكمن المشكلة الثالثة في أن حجم القوة التي سيتم إنشاؤها يبدو متعارضاً مع المهام موضوع البحث في الوقت الراهن. فـ «داعش» تنشرعلى الأرجح 10 إلى 15 ألف فرد في سوريا، بالإضافة إلى القوى المحلية المتحالفة معها. لذا فإن الالتزام بتشكيل قوات أولية عددها أقل من 5 آلاف فرد يحتم أحد أمرين: إما يتم نشر الثوار المدربين بشكل غير مكثّف، وبالتالي يكونون عرضة للهلاك على يد قوات العدو المركزة، وإما تُترك بعض المناطق عرضة لتقدم مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» وجيش النظام السوري. وفي كلتا الحالتين، قد يشكّل الفشل كارثة على مستقبل القوة وعلى أولئك الذين كُلفت بالدفاع عنهم. ولقد رفضت الإدارة الأمريكية النظر في إنزال قوات أمريكية على أرض المعركة لمساعدة الثوار، والتدخل الجوي وحده لن يمنع فشلهم بالضرورة.
ويمكن لشكوك أخرى أن تطرح مشاكل أيضاً. على سبيل المثال، من غير الواضح ما هو نوع الأسلحة التي سيتم توفيرها لهذه القوة. فإن كانت مجهزة فقط بالأسلحة الصغيرة (بنادق هجومية ورشاشات وأسلحة خفيفة مضادة للدبابات ومدافع هاون خفيفة) ستكون قدراتها محدودة جداً حتى لو أدّت دوراً دفاعياً محضاً. فجميع القوى في سوريا تستخدم مجموعة متعددة جداً من الأسلحة، بما فيها أعداداً كبيرة من الأسلحة الثقيلة (دبابات ومدفعية ومدافع هاون ومدافع مضادة للطائرات ورشاشات ثقيلة مثبتة على مركبات). وبالتالي فإن الوحدات المسلحة بأسلحة خفيفة ستكون غير فعّالة في وجه خصوم مماثلين، ومن المرجح أن تتم مطاردتها لإبعادها عنن ساحة المعركة في وقت قصير.
ومن غير الواضح كيف سيتم استخدام القوة التي ستقيمها الولايات المتحدة ودعمها في العمليات. فكما هو مبين أعلاه، إن الخط الفاصل ما بين العمليات الدفاعية والهجومية في سوريا مرن جداً. والأسئلة التي تطرح نفسها هي كيف يمكن لواشنطن فرض مثل هذا الخط بشكل عملي، لا سيما على المستوى التكتيكي من دون تواجد الأمريكيين لتحديد وصياغة ما يجري [على الأرض]؟ وما الذي سيحدث إذا ماعانت القوات التي دربتها الولايات المتحدة من انتكاسات في ساحة المعركة؟ إن النجاح العسكري المستمر في سوريا بعيد المنال بالنسبة إلى جميع الأطراف، ومن المرجح في مرحلة ما أن تفشل القوات المدعومة من الولايات المتحدة حتى ولو كانت مقيّدة بدور دفاعي محض.
التوصيات
إن خطة التدريب والتجهيز الحالية التي وضعتها الإدارة الأمريكية من شأنها إقامة وحدات من الثوار المعتدلين ولكن ضمن قيود مخصصة لإحباط نموها وللإنذار بفشلها إذا ما انخرطت في معارك قتالية خطيرة. ومن المحتمل أن لا تنجح الوحدات الضعيفة التي لا تلقى دعماً كاملاً في ميادين القتال القائمة على الشريعة الداروينية في سوريا [حيث الكيانات الأقوى هي التي تبقى]، بل من المرجح أن تكون أكثر عرضة لأن تصبح فريسة للضواري الهائلة العاملة هناك.
ونظراً إلى أن الأحداث في سوريا لا تسير بالضرورة وفقاً للجدول الزمني الذي تضعه الولايات المتحدة، فإن الجواب الواعد بشكل أكبر يكمن في بناء قوى معتدلة فعّالة عاجلاً وليس آجلاً باستخدام عمليات التدقيق التي أُجريت بالفعل. وهذا يعني دمج الوحدات المعتدلة القائمة ضمن هيكلية تستفيد من أعدادها، ووجودها في ساحات القتال الرئيسية، ومن خبرتها في محاربة كل من النظام وتنظيم «داعش». وبعد ذلك، يمكن لواشنطن أن تعزز برنامجها الخاص بتدريب وتجهيز هذه الوحدات، ولا سيما من خلال توفير الأنظمة المضادة للدبابات، وتلك المضادة للطائرات، والأنظمة الخفيفة من المدفعية/مدافع الهاون.
وفي النهاية، لا ينبغي تقييد مثل هذه القوات بدور دفاعي ضد «داعش» – يتوجّب التوقع منها، بل يجدر تشجيعها، على محاربة النظام أيضاً. وستحقق نجاحات وستلحق بها هزائم، إلا أن الولايات المتحدة لن “تملك” هذه القوات بنفس درجة امتلاكها لقوة بُنيت من الصفر. كما ستكون هناك مخاطر، كما هو الحال دائماً عند التعامل مع غير النظاميين مثل: عمليات نقل الأسلحة غير المرخصة، والنشاط الإجرامي، وانتهاكات لقواعد الحرب، وهكذا دواليك. إلا أنه من المرجح بصورة أكثر أن يتم نشر هذا النوع من القوات في إطار زمني أقصر، وأن تكون هذه القوات أكثر فعالية في ساحة المعركة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» والنظام السوري.
جيفري وايت هو باحث في الشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية.