غالب قنديل
المياومة في شراء الوقت هي حقيقة سلوك الحكومة اللبنانية التي ضغطت على قيادة الجيش خلال غزوة عرسال لقبول وتسهيل دور هيئة العلماء وتبييض ادوار قادة العصابات من أمثال "أبو طاقية " وسواه ممن تذكرنا أسماؤهم بالمدعو أبو ابراهيم في مسلسل أعزاز الطويل الذي شارك تيار المستقبل في إخراجه وإنتاجه وقد بات واضحا اليوم حسب التقارير الإعلامية المتداولة ان ضغوطا حكومية أكرهت الجيش على فتح ثغرة في الجدار الذي سعى إلى إقامته حول عرسال وإحكام محاصرة الإرهابيين داخلها وبالتالي ضيعت فرصة ثمينة لتحرير العسكريين الرهائن .
أولا إن تجمع آلاف الإرهابيين التكفيريين في جرود السلسلة الشرقية على الحدود اللبنانية السورية كان نتيجة لتحولات في الميدان فرضها تقدم الجيش العربي السوري في منطقة القلمون ومن الواضح راهنا انه بات يقطع طرق الإمداد بين الجرود والمناطق السورية الأخرى منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر ولم يعد بذلك امام تجمعات الإرهابيين من منفذ سوى عرسال ومحيطها للتزود بالتموين اليومي ولشراء جميع الاحتياجات اللوجستية .
حسب المعلومات التي تداولتها مصادر امنية لبنانية قامت عصابات داعش والنصرة بشراء السيارات عبر ميناء صيدا وبالحصول على جميع المستلزمات العملية التي جندت شبكة لبنانية فلسطينية متشعبة لتخديمها في عمليات النقل والتخزين منذ ثلاث سنوات واكثر فكانت عرسال هي العقدة التي أمن بواسطتها تيار المستقبل قاعدة خلفية للإرهاب التكفيري في سورية وحيث أقيمت في جرودها ورش تجهيز السيارات الملغومة التي أرسل بعضها إلى مناطق لبنانية متعددة كما احدثت شبكات نقل وتخزين للسلاح والذخائر داخل مخيمات النازحين السوريين في جرود عرسال نفسها كما روى الأهالي مؤخرا وبالتالي ما تنبغي الإشارة إليه في واقع الحال وبكل وضوح هو ان عرسال محتلة من إرهابيي النصرة وداعش كما نقل عن مسؤولين أمنيين في الاجتماعات المغلقة التي شهدتها السراي والتهويل بالكلام عن تدميرها ليس سوى تهرب من مسؤولية قرار المجابهة والحزم فالجميع يعلم ان الأهالي شرعوا بالمغادرة بعد الاشتباك الأول بين الجيش والإرهابيين داخل البلدة.
ثانيا تحتفظ الجماعات الإرهابية التكفيرية بخلايا موزعة على العديد من المناطق اللبنانية والمخيمات الفلسطينية وهي تضم لبنانيين وفلسطينيين وبعض النازحين السوريين وهذه الخلايا حظيت بحماية وبتغطية تيار المستقبل والجماعة الإسلامية وجناح من حركة حماس تحت يافطة ما سمي "دعم الثورة السورية " وبالتالي فإن أي قرار تتخذه النصرة وداعش بتصعيد العمليات العسكرية في لبنان يطرح احتمالا قويا بتحريك هذه الخلايا غير النائمة في أعمال إرهابية تستهدف الجيش اللبناني وأمن المواطنين اللبنانيين .
باستثناء ما قامت به مخابرات الجيش اللبناني رغم العراقيل السياسية التي لم توفر الضغط على القضاء احيانا تغافلت السلطات اللبنانية بقصد عن هذا الأخطبوط القاتل طيلة الأعوام الماضية بل ومنذ احداث الضنية ونهر البارد وكانت بذلك تساير الحريرية وتخضع لضغطها المتواصل ولتأثير حكومات السعودية وقطر والولايات المتحدة التي سعت بكل قدراتها لحماية بؤر العدوان على سورية انطلاقا من لبنان .
بناء على هذه المعطيات التي ترجح انفجارا كبيرا تحركه عصابات التكفير في التوقيت الذي يناسبها وربما قبل موسم الثلوج تتأكد استحالة نجاح أسلوب الحكومة اللبنانية المياوم في كسب الوقت الذي تملؤه العصابات الإرهابية بقتل المزيد من الجنود الأسرى الذين كان يمكن تحريرهم بالقليل من الحزم في وجه دفرسوار سعد الحريري المدجج بفرضية المليار دولار والمعنى الوحيد للمياومة سيكون ترك حياة العسكريين بيد عصابات التكفير علها تختم الملف بدمائهم والسلطة تتفرج وتأسف وتواسي وتمتدح عقلانية العائلات المفجوعة.
ثالثا في نهاية شهر تشرين الثاني سيكون قد حل فصل الثلوج في جبال لبنان وتصبح معه الحياة مستحيلة لآلاف المسلحين على ارتفاع ما يزيد ألفي مترا داخل الكهوف والمغاور والخنادق ويؤكد الخبراء العسكريون ان هذا التوقيت قد يشهد اندفاعهم بقوة نحو لبنان لأن الجيش العربي السوري سيرفع من قدرته على إحكام الحصار من الجهة السورية بفضل التقدم المتواصل لقواته في الغوطة وبإجهازه على المزيد من بؤر الإرهاب ومعاقله مما سيحرر وحدات عسكرية إضافية تساعد في تعزيز الحصار على تجمعات جرود السلسلة الشرقية ومطاردتها وصولا إلى الأراضي اللبنانية جوا وبرا وبكل سلاح مناسب ويبدو ان احد المسالك الاحتياطية قد يكون التوجه إلى منطقة حاصبيا حيث يرتسم شريط حدودي تكفيري صهيوني ممتد على الحدود اللبنانية والسورية مع فلسطين المحتلة وهذا ما يفترض بوزير العدل القراءة جيدا عن الخلفية الإسرائيلية لمشروع التكفيريين الذين حمى بعضهم في طرابلس ومن ثم انخرطوا في جبهة النصرة ودولة البغدادي والذين افترى على الحقيقة بمقارنتهم بمقاومة حزب الله التي تحمي لبنان من إسرائيل ومن التكفيريين معا.
على الحكومة اللبنانية أن تسقط أي رهان على تمرير الوقت او على فرص احتواء التهديد الإرهابي فلا مجال لغير الاستعداد بخطة مجابهة عسكرية وامنية وسياسية وإعلامية شعارها الدفاع عن لبنان في مجابهة خطر التكفير الإرهابي وهذا ما لم تقم به الحكومة حتى اليوم لتعبئة الطاقات والإمكانات الرسمية والشعبية في خوض هذه المعركة التي لا يفيد معها الانتظار وتقطيع الوقت المحبذين عند المسؤولين اللبنانيين بدلا من اتخاذ خطوات عملية أقلها تحريك بعض الأوراق المتوافرة بأيدي السلطات اللبنانية لتحسين شروط التفاوض وأبسطها وأهمها امتلاك الشجاعة الكافية للتنسيق مع السلطات السورية في ملف مشترك بقوة الجغرافية والسياسة وبالنظر للعدو المشترك وعدم انتظار الإذن الأميركي او السعودي بفتح خطوط الاتصال المعطلة بقرار حريري يدفع ثمنه البلد.
|